الأربعاء، 20 يونيو 2012

إميل سيوران-كم هو بعيد كل شيئ- في عدم الرغبة بالعيش








من-على قمم اليأس-
إميل سيوران


-كم هو بعيد كل شيئ

لا أستوعب لماذا علينا أن نقوم بأعمال في هذا العالم؟ لماذا علينا أن نحظى بأصدقاء وتطلعات، أحلام وآمال؟ ألا يكون من الأحسن أن ننسحب إلى زاوية بعيدة عنه حيث يكف إزعاجه وتعقيداته عن الوصول إلينا؟ عندها يمكننا اعتزال الثقافة والطموح، سنخسر كل شيء ونحظى بلا شيء .ما الذي يمكن كسبه من هذا العالم؟هناك أشخاص لا يكترثون بالتحصيل، فاقدو الأمل وتُعساء ووحديين. نحنُ قربيون جدأً من بعضنا بعضا! ولحد الأن لم ننفتح بالكامل على بعضنا، نَقرأ في أعماق أرواحنا ، كم مصير من مصائرنا يمكن رؤيته؟. نحن وحيدون في الحياة إلى حد أننا لا بد من أن نسأل أنفسنا- أليست وحدة الإحتضار هي رمز الوجود البشري؟!. هل يمكن أن يكون هناك خلاصة في اللحظة الأخيرة؟
القابلية للعيش والموت ضمن المجتمع علامة على نَقيصة عظيمة، إنه لأفضل ألف مرة أن تموت وحيداً ومهجوراً في مكان ما حيث يمكنك الموت دون ميلودراما المواقف-لا يراك أحد-. أحتقر البشر الذين يتمالكون أنفسهم على فِراش الموت ويتصنعون أوضاعاً تترك إنطباعات .  لا تكون الدموع حارقة إلا في خلوة العزلة، هؤلاء الذين يطلبون أن يحاطوا بالأصدقاء وهم يحتضرون،  عاجزون عن عيش لحظاتهم الأخيرة مع أنفسهم، يريدون نِسيان الموت في لحظة الموت!  يفتقرون إلى الشجاعة اللانهائية. لمَ لا يقفلون الباب ويقاسون تلك الأحاسيس المُغيظة بضفاء وخوف يتجاوز كل الحدود؟! نحن معزولون عن كل شيئ! لكن أليس كل الأشياء بعيدة عنا بالتساوي؟
الموت الطبيعي والأعمق هوالموت في العزلة، عندما يصبح حتى الضوء مبدئاً للموت. في لحظات كهذه نكون مفصولين عن الحياة،عن الحب،الأصدقاء، وحتى عن الموت! وستسأل نفسك هل هناك شيئ وراء لا شيئية العالم ، وخلف لاشيئك الخاص.

_في عدم الرغبة بالعيش

ثمة تجارب لا يمكن للمرء أن ينجو منها ، بعد كل واحدة منهن يشعر بأنه لم يبق أي معنى في أي شيئ .  حين تكون قد لامست حدود الحياة بعد أن عشت بإفراط كل الخيارات المتاحة عند تلك الحدود الخطرة؛ فإن طلعة كل يوم والطموح المُعتادة تفقد أي سحروجاذبية ، وإذا استمريت في الحياة؛ فإنك تفعل ذلك فقط عبر القدرة على تجسيد تعبك وتحرير ذاتك بالكتابة من التوتر والإجهاد اللامحدود .الإبداع  ما هو إلا خلاص مؤقت من مَخالب الموت.

أشعر بأني سأنفجر بسبب كل ما تقدمه لي الحياة..من إحتمالات الموت...أشعر بأني أموت من الوحدة، من الحب،من اليأس، من البُغض، من كل ما يهبه لي هذا العالم. ومع تجربة كل يوم أتضخم كبالون يُنفخ بأكثر مما يحتمل، والتفاقم الأشد ترويعاً ينفجر في الفراغ.  تنمو بالداخل، تتوسع بجنون حتى تختفي جميع الحدود، تبلغ حافة النور حيث النور مسروق بواسطة الليل، وعند هذه الكثافة وكما في إعصار وحشي تُرمى رأساً في اللاشيئ. تلد الحياة كل من الخصوية والخواء،الغزارة والكساد. ما نحن عندما نواجه إعصار داخلي يبتلعنا داخل العبث؟ أشعر بأن حياتي تُسحق بداخلي من الحِدة الزائدة، من اختلال التوازن المُبالغ فيه.
إنها متل إنفجار لا يمكن احتوائه، والذي يلقي بك في الهواء مع كل الأشياء. على حافة الحياة لا تعود تِشعر بأنك سيد الحياة التي بداخلك، أن الذاتية وهم، وأن القوى المُتعذر ضَبتها تَغلي بداخلك . تتطور دون أي علاقة بالتحديد،أو مركز الشخصية، أوالإيقاع الفردي، على حافة الحياة كل شيئ مُناسبة للموت. يقتلك كل ما هو موجود وكل ما لم يوجد.كل تجربة في هذه الحالة هي قفزة في اللاشيئ، عندما تكون قد عِشت كل شيئ قدمته لك الحياة في نوبة من الحِدة الخارقة؛ تكون قد بلغت تلك المرحلة حيث لا تعود قادراً على اختبار أي شيئ؛ لأنه لم يتبق شيئ. وحتى إذا لم تكن قد استنفذت جميع إمكانيات هذه التجارب، يكفي أن تكون قد عشت واحدة جوهرية لأقصى حدودها، وعندما تَشعر بأنك تموت من الوحدة ، اليأس، وحتى الحب..كل ما كنت قد مررت به ينضم إلى موكب الحزن الذي لاينتهي.

الشعور بأنك لا تستطيع البقاء على قيد الحياة، يشبه إعصارا ينشأ جراء الدخول في مستوى من النقاوة الداخلية. يشتعل لظى الحياة في فُرن مغلق حيث الحرارة لا يمكنها الهروب.هؤلاء الذين يعيشون في مستوى ظاهري أمنون من هذه الأخطار ، لكن هل لديهم شيئ لينقذوه في حين أنهم ليسوا واعيين بأي خطر؟ جيشان التجربة الباطنية يقودك إلى منطقة حيثُ الخطر مُطلق-لأنه وحدها الحياة الواعية بنفسها والتي تُثبت جذورها بالتجربة قادرة على إنكار نفسها. الحياة جد محدودة ومُتشظية كي تتحمل الضغط والتوتر الهائل.. ألم يَشعر جميع الصوفيين بأنهم سيموتون بعد حالات النشوة القوية؟ ما الذي يمكن أن ينتظره من هذا العالم هؤلاء الذين يدركون ويستشعرون أبعد من الحدود العادية؟ الطعام؟ الوحدة، اليأس، الموت؟!


ترجمة/شيفا

هناك تعليقان (2):