السبت، 29 مارس 2014

اقتباسات الأخوة كارامازوف- دوستويفسكي -1-





 اقتباسات الأخوة كارامازوف
-دوستويفسكي

الجزء الأول













" إن في البشر - وحتى في أعتى المجرمين - من السذاجة والطيبة فوق ما قد نتخيل . وهذا يصدق علينا نحن أيضًا ".


" (...) كانَ إنسانًا ذا طبيعة صادقة شريفة تريد "الحقيقة" وتسعى إليها وتؤمن بها . فلما اهتدى إليها أصبح يرغبُ رغبةً عارمةً في أن يقف على خدمتها كلَّ روحه ، وأن يقوم بمآثر من غير إبطاءٍ أو تلكؤ ، يحرقهُ الشوق إلى التضحية بكلِّ شيءٍ من أجلها ، ولو كان هذا الشيء هو الحياة ذاتها . من المؤسف أن الشباب الذين  من هذا النوع لا يدركون أن التضحية بالحياة قد تكون بين جميع أنوع التضحيات أقلها صعوبة في كثير من الأحوال ، وأن التضحية بخمس سنين أو ستة من حياتهم في معمعان الشباب ، من أجل الدراسة الشاقة والتعلم الصعب ، ولو مضاعفة قواهم بغية أن يحققوا مآثرهم التي يحلمون بها تحقيقًا أتم وأكمل . أقول إن الزامهم أنفسهم ببذل هذا الجهد يتطلب شجاعة أكثر من الشجاعة التي تتطلبها التضحية بحياتهم . . . تلك صورة أخرى من التضحية قد تفوق في كثير من الأحوال قوى هؤلاء الشباب ".




" إن من يكذب على نفسه ، ويرضى أن تنطلي عليه أكاذيبه ، يصل من ذلك إلى أن يصبح عاجزًا عن رؤية الحقيقة في أيّ موضع ، فلا يعود يراها لا في نفسه ولا فيما حوله ، وهو ينتهي أخيرًا ، لهذا السبب ، إلى فقد احترامه لنفسه واحترامه لغيره . وإذا أصبح لا يحترم أحدًا ، أصبح لا يحبُّ أحدًا ، فإذا هو من أجل أن يتسلى ، لإنّه أصبح بغير حبّ ، يستسلم للأهواء ويندفعُ وراءَ الملذاتِ الخسيسة ، فيهوي عندئذٍ إلى قاع الرذيلة ، ويصلُ من ذلك إلى درجة الحيوانية ، وما هذا كلّه إلاّ لأنّه يكذب بغير انقطاع ، يكذب على غيره ويكذب على نفسه ".



" إن من يكذب على نفسهِ يسرعُ كذلك إلى إهانة نفسه . ألا يشعرُ المرء بكثير من اللذّة في بعض الأحيان حين يحسُ أنّه مُهان ؟ وهو يعلم مع ذلك أنه ما من أحدٍ قال له كلمة سوء ، وإنما هو اخترع الأهانة بنفسه اختراعًا في سبيل التلذذ بها ".


" إن في إهانة المرء نفسهُ لذّة . لقد أحسنتَ الإفصاح عن هذه الحقيقة .(...) لقد ظللتُ طوالَ حياتي أُهين نفسي ، نشدانًا للذة ، بل وطلبًا للجمال ، لأنَّ الإهانة ليستْ متعةً فحسب ، بل يمكن أحيانًا أن يكون فيها جمال أيضًا ".



" كلما ازدادَ حبّي للإنسانية جملةً واحدة ، نقصَ حبّي للبشر أفرادًا ، أيّ أشخاصًا لهم حياتهم الخاصة ".


" إنّه ليتفقُ لي كثيرًا أثناءَ اندفاعي في الأحلام أن تستبدَ بي حماسة شديدة ورغبة عارمة جامحة في خدمة الإنسانية ، حتى لقد أرتضي أن أُصلبَ في سبيل البشر إذا بدا هذا ضروريًا في لحظة من اللحظات . ومع ذلك لو أريدَ لي أن أعيشَ يومين متتاليين في غرفةٍ واحدة مع أيّ إنسانٍ ، لما استطعت أن أحتملَ ذلك ".


" متى وجدتُ نفسي قربَ إنسانٍ آخر أحسستُ بأن شخصيته تصدمُ ذاتي وتجور على حريتي . إنني قادرٌ في مدى أربعٍ وعشرين ساعة على أن أكره أحسنَ إنسان : فهذا يصبحُ في نظري إنسانًا لا يطاق لأنّه مسرفٌ في البطءِ في تناولهٍ الطعام على المائدة ، وهذا لأنّه مصابٌ بزكام فهو لا ينفكُ يَمخط . إنني أصبحُ عدوًا للبشر متى اقتربوا مني ولو قليلاً ".


" إن الحبَّ الفعال شيءٌ قاسٍ رهيب إذا قيسَ بالأحلام التي يحملها المرءُ عنه . إن من يحلم بالحبّ يشعرُ بظمأ إلى عملٍ مباشرٍ بطولي يحققهُ بسرعة وينالُ بهِ إعجابَ الناس ، حتى لقد يصل بهذه الطريقة إلى التضحية بحياته راضيًا شريطةَ أن لا يدومَ الأمرُ زمنًا طويلاً ، وإنما يتم بسرعة ، كما لو كان على مسرح تراهُ الأبصار وتمدحهُ الألسن . ولا كذلك الحبّ الفعال ، فإنّه يقتضي جهدًا ويتطلبُ صبرًا ، وهو بالنسبة إلى بعضهم كالعلم يجبُ تحصيله ".



" إن الكذابين العريقين الذين ظلوا طوال حياتهم يمثِّلون ، يبلغون أحيانًا من عمقٍ تقمصهم للدور الذي يمثلونه أنهم يرتعشون انفعالاً ويبكون ، رغم قدرتهم على أن يقولوا لأنفسهم في الوقت نفسه ( أو بعد بضع دقائق ) : " أنتَ تكذب إيها الكاذب العريق ! أنت تمثّل حتى في هذه اللحظة ، رغمَ غضبك "المقدّس" ورغم هذه الدقيقة "المقدسة" من الغضب ".


" العِشق شيءٌ آخر غير الحُبّ . فإن من الممكن أن يكونَ الإنسانُ عاشقًا ، مع شعوره بالكره  ! ".



" ألا فلأكن ملعونًا ، ألا فلأكن منحطًا سافلاً ، ولكنني أريدُ ، أنا أيضًا ، أن أقبلَ ذيل الثوب الذي يتدثر به إلهي . لئن اتبعتُ الشيطان في الوقت ذاته يا رب ، فإني ، مع ذلك ، أظلُ ابنك ، وأحبّك ، وفي نفسي سبيل إلى الفرح الذي لولاه ما وجد الكون ".



" الجمال شيءٌ رهيب مخيف ! هو رهيب لأنّه لا يُحدّد . . . ولا يمكن تحديده ".


" الجمال هو الشطآن تتقارب ، هو الأضداد تتحد ويحلُ بينها الوئام ".


"إن ما يبدو للعقلِ عارًا ، هو للقلبِ جمالٌ كامل ".


" ثِقْ أن الجمال ، في نظرِ أكثر الناس ، لا وجودَ لهُ إلا في الخطيئة والضياع . هل كنتَ تعرفُ هذا السِر ؟ أفظعُ ما في الجمال ليس أنه مخيف ، بل إنه سرٌ لا يُفهم . في الجمال ، يصطرع الرحمن مع الشيطان . . وفي قلبِ الإنسان إنما تدور رحى هذا الصراع ".



" إن في كلِّ امراةٍ شيئًا خاصًا شائقًا لا يمكن أن يوجد في امرأة أخرى . . وإنما المهم أن يستطيع المرء اكتشافه ".




... يتبع باقتباسات الجزء الثاني


من الأخوة كارامازوف - ترجمة : سامي الدروبي

الثلاثاء، 25 مارس 2014

مختارات من وديع سعادة



مختارات من وديع سعادة 











غُبار:


إننا ذاهبون إلى إلهنا، إلى العدم.
نحن الغباريّون، و هذا ما رأيناه في هبوبنا، هذا ما كان شيئًا قبل أن يصير غبارًا، ما كان شيئًا قبل أن نصير نحن الغبار.


العابرون سريعًا جميلون. لا يقيمون في مكان كي يتركوا فيه بشاعة. لا يبقون وقتًا يكفي لترك بقعة في ذاكرة المقيمين.

العابرون لا ضحايا لهم. هل لذلك بات علينا، كي نمجّد الحياة، أن نمجّد عبورها بسرعة، أن نمجّد الانتحار؟


أجملنا الراحلون. أجملنا المنتحرون. الذين لم يريدوا شيئًا ولم يستأثر بهم شيء. الذين خطوا خطوةً واحدة في النهر كانت كافية لاكتشاف المياه.
أجملنا الذين ليسوا بيننا. الذين غادرونا خفيفين، تاركين، بتواضع، مقاعدهم لناس قد يأتون الآن، إلى هذه الحفلة.


الخطوة المغادِرة، هي الأجمل دائمًا.


اللغة هي أصوات موتى. وهكذا نرصف جثثًا.
الكلام الحي كان كلام الإنسان الأول. الأول، قبل أن يتكلم.

أن تتجاوز الرغبة، أليس هذا هو العبور العظيم؟

ألا تكون وصلت إذ تلغي الأهداف؟
إن بلغتَ رغبةً تلد لك رغبات. فالرغبة إن بُلغت تكاثرت. ولدتْ أطفالاً مشاكسين. وتركض أنت، تركض ولا تبلغهم، إلى أن تلفظ الأنفاس.
اقعدْ. لا تلهثْ على الدروب.
إلغِ الدرب، تصلْ.


كل معرفة جديدة شك جديد ويأس جديد. حتى لكأنّ التفاؤل ليس سوى الجهل. حتى لكأنّ الجهل هو الخلاص!


الآخرون ليسوا جحيمنا فحسب. الآخرون هم عَدَمنا.



المنحرفون أبدعوا قِيَمنا، أودعونا حضارةً سريّة جميلة، في مقابل حضارة يُستحال إحصاء جثثها.
المنحرفون، الذين ماتوا في المصحات أو في السجون، هم آباؤنا الحقيقيون.


ها هو العالم يختنق. إذ كيف يتنفّس العالم بلا هامشه؟
المنبوذون هم رئة الحياة.
قلب الحياة، هو الهامش.


سلامٌ للمناطق النائمة في الدماغ، الوادعة كالفراغ، المسحورة كالعدم.
سلامٌ للخلايا التي لم تستيقظ بعد. إنها خلايا السلام.


هذا العقل يكاد يفني الأرض.
سلامٌ لخلاياه المنحرفة، سلام للجنون.



الإنسان كائنٌ عاقل؟ صفة ناقصة. ما عادت دقيقة. الإنسان كائن منفيّ.

ليس ممكنًا، بعد، أن تكون حاضرًا مع آخرين، لا بينهم ولا فيهم. لم يعد لديك كلام لهم ولم يعد لديهم كلام لك. إذا تكلّمتَ لا تتكلم إلا مع ذاتك ولو ظننتهم يصغون. وإن تكلّموا لا تسمع إلا صوتك ولو اعتقدوا أنك تصغي. لا تكون إلا فيك ولو كنت في جمهرة. ولا يكونون معك ولو كنت بينهم... لستَ إلا منفيًا وليسوا إلا منفيين.
منفيٌّ في المكان ومنفيٌّ في الناس. منفيٌّ في الخارج ومنفيّ في الداخل.
مثلّث المنفى: منفى المكان ومنفى الآخر ومنفى الذات.


منذ الفجر الأول كان الألم. قامت الأرض على صرخته. تكوّنتْ ونمتْ على هذا الصوت. كأنها من دونه لم تكن. كأن الأرض تكونت من فاجعة، من خطأ. كأن ما يلد، وما ينمي، وما يفرض الاستمرار، هو الخطأ.

الطموح صفة الناقص. أما الممتلئ فيهدأ ويجلس.


أنا أنسى، إذن أنا موجود!

حين نتذكر نصير الموتى.
المتذكرون هم موتى موتاهم.


الذين بلا رغبات هم الأحياء حقًا.
لا شيء يقتلهم ولا يتركون ضحايا.
العالم سصير لهم إذ يأنفونه. فالعالم، الذي لا يُملك، له سرٌّ لامتلاكه، هو: رفضه.




أمُّ الشقاءات، فكرة الوصول. إذ لا وصول، لا نقطة، لا مقعد، على الطريق.
ليس المشي ما يُتعب، بل فكرة الهدف.
آن تؤخذ بها، يفوتك الزهر على الدرب وشدو الطير وجمال رنّات خطواتك.
الهدف يسرق منك النزهة ولا يمنحك ذاته. كلما اقتربت منه ابتعد، كلما أطللت عليه غاب.
امحُ ذاكرة الوصول وتمتَّعْ بالمشي.
بل انسَ. انسَ الهدف وانسَ الدرب.
للنسيان خفة محو الطريق، وتأبيد لحظة عدم السير.
أنا أفكّر إذن أنا موجود؟
لا. أنا أنسى إذن أنا موجود.
النسيان، هذا هو الوجود.


كلَّما نقص صوت، أعتقد أن الأرض تشعر براحة.
الذين يصمتون يرتفعون عن الأرض قليلاً، لا تعود أقدامهم وأجسادهم ملتصقة بها. الذين يصمتون ينسحبون من جمهرة الأرض كي يحتفوا بذاتهم. كأنَّ الاحتفاء بالذات لا يتمُّ إلا بالعزلة. كأنَّ الاحتفاء بالحياة لا يكون إلا بالصمت.

الذات تحتفي بغيابها عن الآخر. الذات تحتفي بالغياب.


الصامتون منتحرون أيضًا. صحيح. لكنهم يتوحدون مع ذواتهم على خشبة الانتحار.
لو يصمت العالم الضاجُّ، قليلاً. ماذا يحدث لو صمت العالم؟ لو اختفى ضجيج البشر لحظة؟ أما كانت الأرض تستعيد بعض فتوَّتها، بعض صحتها؟
هذه الأصوات تنشر الأمراض.
إذا كان هناك من يريد فعلاً أن ينقذ البشرية فليأمرها بالصمت.
الأرض لا تفتقد غيرَ مخلِّصٍ واحد، يخلّصها من الضجيج.

المنتحرون، قديسونا. الذين لم تسعهم الحياة، ففتحوا فسحة في الموت.
تعالَوا عن هبة، عن ضيافة حدثت بالصدفة، عن مائدة كانوا هم طبقها، وصفقوا الباب وراءهم و غادروا.


لا ينتحر غير من طفح بالحياة. من طفحت فيه الحياة فاندلقت.
ولا ينتحر غير من يعلو على الموت. من يسوده.
المنتحر يهب الموت معنى. ويدحره.

من ينتحر يترك لطختين، واحدة على وجه الحياة وأخرى على وجه الموت. يترك آثار سيادة.
لكن السيادة ليست مطلب المنتحرين. المحو مطلبهم. محو سيادة الحياة وسيادة الموت. سيادة من جاء بهم وسيادة من يذهب بهم. سيادة الآخر وسيادة الذات. المحو الذي هو سيادة وجود، فعل حريّة.

المنتحرون قدّيسونا، سادة المحو، سادة الخواء.
إذ يسلّمون روحهم للخواء لا  يكونون يسلّمون حياة بل إدانة. ولا جثة بل اسم قاتل. ولا خلاصًا بل هباء.
إذ يسلّمون أنفاسهم يسلمون الفراغ.


نصُ الغياب :

مشيتُ طويلاً في خيال اللغة، حتى انكسرتُ في وهمها. مشيتُ في اللغة بحثًا عن موطني، حتى اكتشفتُ أني أبحث عن وهم. ولأنّ اللغة كانت هي موطني، فإني ما سكنتُ إلا في الغياب.

كلماتٌ كثيرة، ولكن يُستحالُ قولُ أيّ شيء.

كنتُ تقريبًا ميّتًا دائمًا. كنت مجموعة موتى: ضحيةَ كل صوت وكل صدى. ميّتٌ حين أُرسل الكلام وميّت حين أتلقّى صداه. ولأني تكلمت كثيرًا، متُّ كثيرًا... والآن أريد الصمت، أريد أن أحيا.

لم يكن للكلمات مكان.. في البدء لم يكن كلام، كان الصمت. وحين انبثقت الكلمات بدأ طريقُ الموت.

بحثٌ متوهَّم عن المكان، الكتابة. بحثٌ متوهَّم عن الزمن، عن الحياة، عن الحريَّة... بحثٌ متوهَّم.


الأوهام حياتُنا. فلنحتفظْ بها لكي تكون لنا حياة.

الوهمُ إذًا هو السعادة. والحقيقة هي اليأس.

ليست لدينا لغة. ولذلك لا اتصال مع الآخرين. لا اتصال مع ذواتنا.

في البدء لم تكن الكلمة إذن، ولا الله، بل كان الخطأ. والخطأ ولَّد أخطاء، كان منها الكون.

كيف يمكن أحدٌ كلّيُّ الكمال أن يخلق كونًا بهذا النقص الرهيب؟ قيل الكونُ صورتُه. أين هو أريد أن اراه، أريد أن أعرف إنْ كان فعلاً بكل هذه البشاعة!.



لتكن لنا نعمة اليأس، نعمة رضى الطيور المخذولة، العالية والبعيدة، النائية عن التطلّع إلى الوليمة. ليكن لنا جمال الفريسة، رضى العجز عن الإفتراس، مسحة الجمال الأخيرة للضحية، بسمةُ قبول الدم.
لنقلِب المقاييس، فَنُقِمْ للنصر نَدْبًا وللهزيمة زغاريد. لنستهجنِ العادةَ التاريخية السمجة، افترارَ الثغر عن بسمةٍ وقتَ الفرح، جاعلين النقاطَ الساقطة من العيون علامةً للغبطة، شعارًا لمهرجان الانقلاب العظيم على التكوين.
نغيّر كيمياءَ الروح، هذه التركيبة السيّئة التي أثبتت، على مدى التاريخ، أخطاءَ تكوينها.
نجعل الفشل هدفًا، الكسلَ إنجازًا، العملَ مضيعةً للوقت، العذاباتِ صديقات، ورفضَ الحياة قمةَ عيش الحياة.
نقلب كيمياء الروح، فيتقلَّص عددُ الأعداء.
نحفر المقبرة العظمى، ونحتفل بمهرجان الإنقلاب العظيم على التكوين.

امنحوني عدمًا. أريد الجمال.


هناك موتٌ أكيد في الكلام. دمٌ واضح.
هناك وادٍ وأحجار، وأجسادٌ مستلقية عليها.
هناك قتلٌ، قتلٌ فظيعٌ، في اللغة.
إننا نُقيم في مجزرة!
وكلّما تكلمنا ازداد عدد الجزّارين.


حين لا نرى الآخرين يكونون جميلين حقًا. حين لا يتكلمون، نفهمهم. 
في غياب الرؤية و الكلام، وجودٌ موحَّد ولغةٌ موحَّدة.

كيف يصف العاجزُ عن الحضور غيابَه؟ كيف يعجز حتى عن أن يكون غائبًا؟ والقابعون في الزوايا هل عليهم، كما الظانون أنهم في الساحات، أن يشهدوا فقط للعدم بالصمت؟
إننا نُقيم مأدبة عامرة للعدم، لا يأكل هو منها، ولا نحن نأكل.




مختارات من أبي العلاء المعري





مختارات من أبي العلاء المعري 










هذا جَناهُ أبي عليَّ     وما جنيتُ على أحد


نزول كما زالَ أباؤنا           ويبقى الزمانُ على ما ترى 
نهارٌ يمرُ وليلٌ يكرُ             ونجمٌ يغورُ ونجمٌ يرى 


خَسِستِ يا أُمّنا الدنيا فأفّ لنا       بنو الخسيسةِ أوباشٌ أخسَّاءُ


مدَّ الزمانُ وأشوتني حوادثه        حتى مللتُ ، وذمتْ نفسيَّ العمرا



تعبٌ كلها الحياة، فما أعجب ُ     إلا من راغبٍ في ازديادِ


إنما هذه الحياةُ عناء               فليخبركَ عن أذاها العِيان


لا أزعمُ الصفوَ مازحًا كدرا     بل مزمعي أنّ كلّه كدرُ


فلا تطلبِ الدنيا وإنّ كنتَ ناشئًا      فإنّي عنها ، بالأخلاء ، أربْأ
وما نوبُ الأيامِ إلا كتائبٌ             تبثُ سرايا أو جيوشٌ تُعبّأ


نهار وليل عوقبًا أنا فيهما            كأني بخيطٍ باطلٍ أتشبثُ
أظن زماني كونه وفساده            وليدًا بتربِ الأرضِ يلهو ويعبثُ



طهارة نفسي في التباعدِ عنكم      وقربكم يجني همومي وإدناسي 


ضجعةُ الموتِ رقدةٌ يستريحُ فيها الجسمُ     فيها والعيش مثل السُهادِ


وقد علمنا بأنا ، في عواقينا              إلى الزوال ، ففيمَ الضغنُ والحسدُ


وليس عندهمُ دينٌ ولا نسكٌ            فلا تغرنك أيدٍ تحملُ السُبحا
وكم شيوخ غدوا بيضًا مفارقهم      يُسبحون وباتوا الخنا سُبُحا



ما أسلمَ المسلمون شرهمُ          ولا يهودٌ لتوبةٍ هادوا
ولا النصارى لدينهم نصروا    وكلهم لي بذلك أشهادُ


 قالوا: فلانٌ جيدٌ لصديقهِ       لا يكذبوا ما في البريةِ جيدُ

   
 مضى الزمانُ ونفسُ الحيِّ مولعةٌ         بالشرِ من قبل هابيلٍ وقابيل


يغدو الفقيرُ وكلُّ شيءٍ ضدهُ          والأرضُ تغلقُ دونهُ أبوابها
فتراهُ محقوقًا وليس بمذنبٍ            ويرى العداوةَ ولا يرى أسبابها
حتى الكلابُ إذا أرادتْ ذابرةً         هشتْ إليه وحركتْ أذنابها
وإذا رأتْ يومًا فقيرًا بائسًا             نبحتْ عليهِ وكشرتْ أنيابها




يسوسون الأمورَ بغير عقلٍ      فيُنفذُ أمرهم ويقالُ : ساسةْ
فأفّ من الحياة وأف مني        ومن زمانٍ رئاستهُ خساسةْ


في البدو خرابُ أذواذ مسمومة     وفي الجوامع والأسواق خرابُ
فهولاء تسموا بالعدولِ أو التّجارِ   واسم أولاك القوم أعرابُ



إذا انفردَ الفتى أمنتَ عليهِ       دنايا ليس يؤمنها الخلاطُ



في الوحدةِ الراحة العظمى فأحي بها       قلبًا وفي الكون بين الناسٍ أثقال


 أراني في الثلاثةِ من سجوني          فلا تسأل عن الخبرِ النبيثِ
لفقدي ناظري ، ولزوم بيتي            وكون النفس في الجسدِ الخبيثِ



دعا ليَّ بالحياة أخو ودادٍ             رويدكَ إنما تدعو عليّا 
وما كان البقاءُ ليَّ اختيارًا           لو أنَّ الأمر مردودٌ إلّيا




قد فاضتِ الدنيا بأدناسها      على براياها وأجناسها
والشرُ في العالمِ حتى التي    مكسبها من فضلِ عرناسها
وكلُّ حيٍّ فوقها ظالمٌ          وما بها أظلمُ من ناسها




طهارةُ مثلي في التباعدِ عنكم           وقربكم يجني همومي وأدناسي
عداوةُ الحمقِ أعفى من صداقتكم       فابعد عن الناسِ تأمن شر الناسِ
قد آنسوني بإيحاشي إذا بعدوا          وأوحشوني في قربٍ بإيناسِ



لا تشرفنَّ بدنيا عنك معرضة        فما التشرفُ بالدنيا هو الشرفُ


وزهدنَّي في الخلقِ معرفتي بهم     وعلمي بأن العالمين هباءُ


لو أنَّ كلَّ نفوسِ الناسِ رائيةٌ    كرأي نفسي تناءتْ عن خزاياها
وعطلوا هذه الدنيا فما ولدوا     ولا اقتنوا واستراحوا من رزاياها



ضحكنا وكان الضحكُ منا سفاهةً     وحقُّ سكانِ البسيطةِ أن يبكوا
يحطمنا ريبُ الزمّانِ كأننا             زجاجٌ ولكن لا يعادُ له سبكُ

توحدِ فإنَّ ربكِ واحدٌ         ولا ترغبنّ في معاشرةِ الرؤساءِ



في كلِّ جيلٍ أباطيلٌ يدانُ بها         فهل تفردَ يومًا في الهدى جيلُ


دع آدمًا لا شفاهُ اللهُ من هبلٍ        يبكي على نجلهِ المقتولِ هابيلا
ففي عقابِ الذي أبداهُ من خطأ     ظللنا نمارسُ من سُقمٍ عقابيلا
دهرٌ يكرُ ويومٌ ما يَمرُّ بنا               إلاّ يزيدُ به المعقولُ تخبيلا



كأنَ حواء التي زوجُها          آدمُ لم تلقَحْ بشحصٍ أريبْ
قد كثرتْ في الأرض جهالنا     والعاقل الحازم فينا غريبْ


إذا ما ذكرنا آدمًا وفعالهُ           وتزويجهِ بنتيهِ لابنيه في الخَنا
علمنا أن الناسَ من نسلِ فاجرٍ    وأن جميعَ الخلقِ من عنصرِ الزنا




يحسنُ مرأى لبني آدمٍ              وكلُّهم في الذوقِ لا يعذبُ
ما فيهم بَرٌّ ولا ناسكٌ               إلاّ ألى نفعٍ له يجذِبُ
أفضلُ من أفضلهم صخرةٌ        لا تظلمُ الناسَ ولا تَكذبُ




وأشرفُ من يرى في الأرضِ قذرًا         يعيشُ الدهرَ عبدَ فمٍ وفرج



إذا سألوا عن مذهبي فهو بيّنٌ         وهل أنا إلا مثل غيري أبله؟
خلقتُ من الدنيا وعستُ بها           أجِدّ كما جدوا وألهو كما لَهو


 قالوا العمى منظرٌ قبيح         قلتُ بفقدي لكم يهونُ
واللهِ ما في الوجودِ شيءٌ        تأسى على فقدهِ العيونُ





  

الثلاثاء، 18 مارس 2014

مقتطفات من أناشيد مالدورور-لوتريامون






 مقتطفات من أناشيد مالدورور
-لوتريامون::: إزيدور دوكاس













النشيد الأول :



" إن الشرارة الإلهية الموجودة فينا ، والتي نادرًا ما تبرز ، تظهر نفسها ؛ متأخرًا جدًا !  ".


" ما هو إذن الخير والشر ! هل هما شيء واحد نُظهر بواسطته بحنق عن عجزنا ، وعن الشهوة إلى بلوغ اللانهاية حتى بأكثر الوسائل الخرقاء ؟ ".


" أشعر بالحاجة إلى اللانهاية . . . لا أستطيع ، لا أستطيع أن أُشبعَ هذه الحاجة ".


" ظَنَّ الإنسانُ نفسه جميلاً في كلِّ العصور . أنا ، أفترض بالأحرى أن الإنسان لا يؤمن بجماله إلا بداعي الكبرياء ؛ لكنه ليس جميلاً حقًا وإنه يشكُ في هذا الأمر . إذ لماذا ينظر إلى شبيهه بكلِّ هذا الاحتقار ؟ ".


" إن عائلة الآدميين الكونية الكبرى هي قكرة طوباوية خليقة بأردأ منطق ".


" غالبًا ما تساءلتُ أيهما أهون على الاستكشاف : غور البحر أو غور القلب البشري ! ".

" من يفهم لماذا يبتعد عاشقان كانا يتدلهان ببعضهما البارحة ، بسبب كلمة أُسيءَ فهمها ، ويتوَّجهان الواحد شرقًا ، والآخر غربًا ، مع مناخس الحِقد ، الانتقام ، الحبّ والندم ، ولا يعودان يتقابلان ، وقد تجلبب كلٌّ منهما في كبريائه المنعزلة ، إنها أُعجوبة تتجدد كلَّ يوم ".

" من يفهم لماذا نستلذُ ليس فقط مصائب أشباهنا العامة ، بل أيضًا مصائبَ أعزِ أصدقائنا الخاصة ، بينما نحزن لذلك بذاتِ الوقت ؟ ".


" إن الفضول وُلِدَ مع الكون ".


" جميلٌ أن نتأملَ خرابَ المدنِ ؛ لكنهُ جميلٌ أكثر أن نتأملَ خرابَ الآدميين ".



" إنكَ تملكُ وجهًا أكثرَ من بشري ، حزينًا كالكون ، جميلاً كالانتحار ".



النشيد الثاني :


" إن شِعري لن يرتكز إلاّ على مهاجمة ، بشتى الوسائل ، الإنسان ، ذلك الوحش الكاسر ، والخالِق ، الذي ما كان يجب أن يلدَ حشرةً مماثلة ".


" (...)  ذاك الذي لم يكن يبدو أنه يشغل باله بشرور ، ولا خيراتِ الحياة الحاضرة ، والذي كان يمضي بلا تبصّر ، بوجهٍ ميتٍ بفظاعة ، شعر منتفش ، مشية مترنحة ، وأذرع تسبحُ بعماء في مياه الأثير الهازئة ، كما لتبحث عن فريسة الأمل الدامية ، المترنحة باستمرار ، عبر مناطق الفضاء الرحبة ، بفعل ريح القدرالصرصر العنيدة ".


" بما إن السماء صنعها الله ، وكذلك الأرض ، فثق أنك ستقابل فيها نفس الشرور الموجودة في الدنيا ".



" الدهاءُ ، أروعُ أداةٍ في يدِ العباقرة ".


" (...) مثقلٌ بالعبء الباهظ لسرٍ أبديّ ، تعبان من الحياة ، وخجلان أن يمشي بين مخلوقاتٍ لا تشبهه ، اليأسُ بلغَ روحه ، وهو يمضي وحيدًا كشحاذٍ في الوادي ".


" إذا ما سألوه لماذا اتخذَ الوحدة رفيقًا ، ترتفعُ عيونه نحو السماء ، وتحبسُ دمعةَ عتابٍ ضدَ القدر ؛ لكنه لا يجيبُ على هذا السؤال الطائش ".


" لا تحاولوا قط أن تكشفوا عن أرواحكم بواسطة اللغة ؛ الزموا صمتًا ورعًا لا يقاطعه شيء ".


" إني أشعرُ منذُ الآن أن الطيبة ليستْ سوى تجميعٍ لمقاطع لفظية رنانة ؛ إني لم أجدها في أيّ مكان ".



" إني أُولِي التبن أهمية أكثر من الضمير ؛ لأن التبن نافع للبقرة التي تجتَّره ، بينما لا يعرف الضمير سوى أن يُظهر مخالبه الفولاذية ".



النشيد الثالث :


" (...) المسار المرتاع الذي تدور فيه الكرة البشرية الغارقة في الهذيان ، المأهولة بأرواح قساة ، يتذابحون فيما بينهم في الميادين التي تجأر بها المعركة ( هذا عندما لا يقتلون بعضهم بغدر ، سرًا ، في وسط المدن ، بخنجر الحقد والطموح ) ، ويتغذون بكائنات زاخرة بالحياة مثلهم وموضوعة على بضع خطوات أدنى منهم في سُلم الموجودات ".



" أشعرُ بأن روحي مغلقٌ عليها بمزلاج جسدي ولا تستطيع الانعتاق ، لتهربَ بعيدًا عن الشواطئ التي يضربها البحر البشري ".


" لقد تلقيتُ الحياةَ كجرحٍ ، ولقد حظرتُ على الانتحار أن يشفيَ النُدبة ".


" إذا كان البشر سُعداء على هذه الأرض ، فإنه عند ذلك قد يكون علينا أن نتعجب ".


" هكذا إذن ، يا مالدورور ، غلبتَ (الأمل) ! من الآن فصاعدًا سيتغذى اليأسُ من أصفى جوهرٍ فيك ".


" أيَ قرارٍ مشؤوم جعلني أعبر حدود السماء ، لأجيء وأحطَّ على الأرض ، وأتذوق شهواتٍ حسية زائلة ".



النشيد الرابع :


" فلتبدأ حربي ضد الإنسان ، بما أن كلاً منا يتعرّف في الآخر على انحطاطه الشخصي . . . بما أن كلانا عدوَّان لدودان . لئن تأتى لي أن أحرزَ انتصارًا مفجعًا أو أن أخسر ، فإن الصراعَ سيكون جميلاً : أنا ، وحدي ، ضدَ الإنسانية ".


" (...) يتعذر جدًا ،  وفقًا لبعض الفلاسفة ، التمييز بين المضحك والمحزن ، بما أن الحياة ذاتها هي مأساة هزلية ، أو مهزلة مأساوية ".



" إني نذرتُ أن أعيشَ مع المرض والجمود إلى أن أغلبَ الخالق ".


" إن الحقد لهو أغرب مما تظنّ ؛ إن سلوكه غير قابلٍ للتفسير ، كالمظهر المُحطَّم لعصا معموسة في الماء ".



النشيد الخامس :


" روحي تَجِفُّ بفعل تفكيرٍ مكثّفٍ ومشدودٍ دومًا ؛ إنها تصرخُ كضفدعٍ في مستنقع ".


" (...) قلبي ، ذلك الجائع الذي يأكل نفسه ".



" (...) الجسد ليس بعد سوى جُثة تتنفس . (...) ولاحظوا ، أرجوكم ، أن الشراشف إجمالاً ليستْ سوى أكفان ".


" آه لو أن الكون ، بدل أن يكون جحيمًا لم يكن ألا شرجًا سماويًا هائلاً ".



النشيد السادس :



" ليس من السهل إهلاك البشرية كليًا (...) لكننا نستطيع ، مع الصبر ، إبادة ، واحدة واحدة ، النملات الداعية إلى خير البشرية".


" (...) تَنَكّّرَ لكلِّ شيءٍ ، الأب ، الأم ، العِناية الإلهية ، الحُبّ ، المثال الأعلى ، كيلا يفكر سوى بنفسه وحدها ".






من أناشيد -مالدورور-لوتريامون-. ترجمة : سمير الحاج شاهين.






الأحد، 16 مارس 2014

اقتباسات من إيفان تورغينيف








اقتباسات من إيفان تورغينيف 





 




الآباء والبنون 



" لِمَ لا تريد للنساء أن يتمتعن بحرية الفكر ؟ !
- ذلك ، يا أخي ، لأني لاحظتُ أن القبيحات وحدهن يفكرن بحرية  ".



" من يعرف المزيد تداهمه الشيخوخة قبل الأوان ".


" كلُّ شخصٍ معلقٌ بشعرة ، ويمكن أن تنفرج تحته هوّة سحيقة في كلِّ لحظة ، بينما يبتدع هو لنفسه مختلف المشاكل ويفسد حياته ".


" إن الذي يغضب على ألمه لا بدّ وأن يقهره ".


" إن قلع البلاط من الشارع أهون من السماح لامرأة بأن تمتلكك قيد أنملة ".


" الإنسان الحقيقي ليس هو الذي يفكر فيه الآخرون ، بل هو الذي يخضعون له أو يكرهونه ".


" ليست هناك مبادئ إطلاقًا ، بل هناك الإحساسات ، وكل شيء متوقف عليها ".


" إنني أتمسك باتجاه الرفض ، وذلك بحكم الإحساسات . فالرفض يبعثُ السرورَ في نفسي ، ودماغي مبنيٌ على هذا الأساس ، فذلك كل شيء ! فما الذي يجعل الكيمياء تعجبني ؟ وما الذي يجعلك تحب التفاح ؟ - ذلك أيضًا بحكم الإحساسات  .  فالأمر سواء . ولن يتغلغل البشر إلى أعمق من ذلك أبدًا ".



" في الحقيبة مكان فارغ وأنا أحشوه بالقش ، وكذا الأمر في حقيبة حياتنا ، نحشوها بأي شيء كان على شرط أن لا يظل فيها فراغ ".



" ليس هناك سوى حبّ الاستطلاع ، والفضول ، والرغبة في الاستقرار ، والأنانية . . ".







في العشية


" أكثر ما يبهرني في النمل والخنافس وغيرها من السادات الحشرات جديتها المفرطة . إنها تركض رواحًا ومجيئًا وفي مظهرها عظمة وأهمية وكأن لحياتها معنى ما ! حقًا فإن الإنسان ، ملك الكائنات ، المخلوق الأسمى ، يتطلع إليها باهتمام ، فلا يبدو عليها اكتراث به . والأكثر من ذلك أن بعوضة ما تحط على أنف ملك الكائنات هذا ، وتستخدمه طعامًا لها . (...) ولماذا لا تتبختر ، إذا كنا نحن نسمح لأنفسنا بالتبختر ".



" هل لاحظت أيّ شعورٍ غريبٍ تثيره الطبيعة فينا ؟ كلّ شيء ٍفيها على درجة عالية من الامتلاء والصفاء ، وأريد أن أقول الاكتفاء بالنفس ، ونحن ندرك ذلك ، ونستمتع به ، والطبيعة في الوقت ذاته ، على الأقل بالنسبة لي ، تثير دائمًا قلقًا ، فزعًا ، بل وشجنًا . ما يعني هذا ؟ أيعني أننا ، حين نقف أمامها ، ونجابهها ، نعي أكثر بعدم امتلائنا ، وغموضنا ، أم لا يكفينا ما يشعرها هي بالاكتفاء ، في حين الشيء الآخر ، وأريد أن أقول ، الشيء الذي نحتاجه لا نجده فيها ؟ ".


" ما جدوى الشباب ، ما جدوى أن أعيش ، ولِمَ ليَّ روح ، لِمَ كل هذا ؟ ".



" أحسُ بأن الإنسان يحتاج إلى بلية أو شقاء أو إلى مرض ، وإلا فإنه يشمخ ".




" عندما يكون الإنسان تعيسًا ، جدًا ، جدًا ، ينتبهُ بعمقٍ إلى كل ما يجري حوله " . 


"يا إلهي ! لِمَ الموت ، لم الفراق ، والمرض والدموع ؟ أو لِمَ هذا الجمال ، هذا الشعور اللذيذ بالأمل ، ولم الإحساس المهدئ بالملجأ الآمن ، بالحماية الوثقى ، والرعاية الخالدة ؟ ما تعني هذه السماء الباسمة المباركة ، هذه الأرض السعيدة المستريحة ؟ أيمكن أن يكون هذا كله فينا فقط ، وفي خارجنا البرودة الأبدية والسكون ؟ ". 


" إن سعادة إنسان قائمة على تعاسة إنسان آخر ، بل وإن نفعه وراحته ، كالتمثال ، تتطلبان قاعدة من خسارة الآخرين ومضايقتهم ".


 " إن كل واحدٍ منا مذنبٌ أصلاً لكونه يعيش ، وما من مفكرٍ عظيمٍ ، ولا أيّ محسنٍ للإنسانية ، يمكن أن يأمل ، بحكم ما فعل من خير ونفع ، بأن يكون له الحق في أن يعيش ".


" لقد وصلتُ إلى حافة الهاوية ويجب أن أسقط ... كنتُ أبحث عن السعادة ، ولكنني ربما سأجد الموت ". 


 " الموت يغطي كل شيء ، ويسوي كل شيء ".


" يحدث أن يستيقظَ أنسانٌ في نومه ، ويسأل نفسه بذعرٍ مباغتٍ : أصحيحٌ أنني بلغتُ الثلاثين ... الأربعين ... الخمسين ؟ وكيف مرتِ الحياةُ بهذه السرعة ؟ ودنا الموتُ هذا الدنو ؟ إن الموت كالصياد الذي اصطاد سمكةً ، وأبقاها في شبكته في الماء لبعض الوقت ، والسمكة ما تزال تسبح ، ولكن الشبكة تطوقها ، والصياد يخرجها متى شاء ".



 
  
 من الأعمال المختارة لتورغينيف - الآباء والبنون بترجمة خيري الضامن ، وفي العشية بترجمة غائب طعمة فرمان .
 



الأربعاء، 12 مارس 2014

اقتباسات الأنفس الميتة -نيقولاي غوغول-






اقتباسات الأنفس الميتة لــ نيقولاي غوغول












" إن بعضَ الناسِ يعيشون في هذا الوجود لا كشخصيات مستقلة قائمة بذاتها بل كالبقع واللطخ على شخصيات الآخرين ".



" إن شابًا ملتهبًا من شباب اليوم سيتراجع رعبًا لو أن أحدًا عرضَ له صورته وهو في شيخوخته . خذوا معكم إذن ، حين تنتقلون من أعوام الصبا الناعمة ، إلى الرجولة المتقسية الصارمة ، خذوا في رحلتكم هذه كل المشاعر الإنسانية ، ولا تتركوها في عرض الطريق ، فإنكم لن تسترجعوها بعد هذا ! فإن الشيخوخة الرهيبة المريعة التي تهددكم في المستقبل لن تعيد لكم شيئًا أخذته ! والقبر أرق قلبًا منها ! فهم يكتبون عليه {هنا يرقد إنسان} ولكن لا شيء يمكن أن يُقرأ في الملامح الباردة الخالية من العاطفة لشيخوخة غير إنسانية ".




" هناك حالات نجد فيها المرأة ، وعلى رغم كل ما في طبيعتها من ضعف وعجز بالقياس إلى الرجل ، تصيرُ فجأةً أشد قسوة ليس من الرجل فقط ، بل ومن كل شيء في الدنيا ".


" الكّل منّا يكمن فيه هذا النقص البسيط ، الذي يتلخص في أن يستثني نفسه من ارتكاب الأخطاء وأن يبذل قصارى جهده دائمًا في التفتيش عن مخلوق ينحى عليه باللائمة ويلقي عليه التبعة وقد يكون هذا المخلوق خادمًا أو موظفًا صغيرًا أو زوجة ، وأخيرًا على كرسي ".




" الإنسان كريم جدًا في استخدامه لكلمة {أحمق} ومستعد لأن يلصقها بجاره عشرين مرة في اليوم . يكفيه أن يكون واحد من جوانب خلقه العشرة أحمق ليوصف بالأحمق على حساب الجوانب التسعة الجيدة ".




" لا يرى الإنسان غير الشيء القريب منه . وفي المدونات العالمية لتاريخ البشرية الكثير من القرون الكاملة التي يبدو شطبها ومحوها ممكنين ، لأنها غير ضرورية . فهناك الكثير من الضلالات في هذا العالم تبدو الآن لا يمكن أن يقوم بها حتى طفل . فكم من الطرق المعوجة المسدودة الضيقة ، المنيعة المنحرفة بعيدًا اختارتها الإنسانية في سعيها للوصول إلى الحقيقة الأزلية ، بينما كان مفتوحًا أمامها الطريق المستقيم ، كالطريق المؤدي إلى هيكل عظيم مخصص ليكون مقرًا للقيصر ! فهو أوسع الطرق كلها ، وأفخرها ، منوَّر بالشمس ومضاء طوال الليل بالأنوار ، ولكن الناس تجاوزته ، وسارت في الظلام الدامس . وكم من مرة ، حتى بعد أن تزودوا بالرسالة المنزلة من السماء ، زاغوا وانحرفوا سواء السبيل ، ووقعوا من جديد وفي وضحِ النهار في مغارات نائية مسدودة ، وأنزلوا من جديد غشاء العمى على عيون بعضهم البعض ، منجذبين إلى السراب الخادع ، ووصلوا إلى الهاوية ، ليسألَ بعضهم بعضًا فيما بعد : أين المخرج ، أين الطريق ؟ ".




"  إن الجيل الحالي ، يرى كل شيء الآن بوضوح ، وتدهشه الضلالات ، ويضحك من سخافات سلفه (...) ولكن الجيل الحالي يضحك ويبدأ بثقة في النفس واعتداد في سلسلة من الضلالات الجديدة ، سيضحك منها الخلف أيضًا فيما بعد ".




" ما من شيء في شخصية الإنسان إلاّ وهو قابل  للتبديل والتغيير في طرفة عين - لا شيء فيها إلاّ وقد تنبثق منه سوسة أكّالة تمتص منها العصارة الحية في لمح البصر ".




" عواطف الإنسان كرمال على الشاطئ لا يحصى لها عدد ، وهي بلا شكّ أكثر تنوعًا .وتبتدئ كلها ، رفيعها ووضيعها ، في خدمة الإنسان ، ثم تتدرّج حتى تصبح سيده المستبد . سعيدٌ ، إذن ، هو ذلك الإنسان الذي ينتخبُ من سلسلة العواطف البشرية عاطفةً نبيلة ".






من الأنفس الميتة -ترجمة : د. عبد الرحيم بدر . مراجعة غائب طعمة فرمان .



السبت، 8 مارس 2014

اقتباسات من علي الوردي




اقتباسات من علي الوردي 












لقد كان القدماء يعتقدون بأن الإنسانَ حيوانٌ عاقل . والواقع أنه حيوان متحذلق . فهو مُتعاقلٌ لا عاقل . يتظاهر بالتعقل وهو في الحقيقة مجنون . . . على وجهٍ من الوجوه .




(...) بعض الأفذاذ النادرين من الناس يستطيعون أن يدركوا ما رُكِبَ على عقولهم من إطار ، فهم يتحيزون في تفكيرهم كثيرًا أو قليلاً ولكنهم يدركون في نفس الوقت أنهم متحيزون . 



إن الباحث المُبدع يمتازعن الرجل العادي بكونه يعترف بإطاره الفكري ، ولذا فهو أقدر على مواجهة الحقيقة الجديدة من غيره .

والعجيبُ أن بعض الناس ينكرون وجود إطار على عقولهم ، إنهم بهذا يبرهنون على تعصبهم الشديد . ( فــكلما اشتدَ اعتقادُ إنسانٍ بأنهُ حرٌ في تفكيرهِ زادَ اعتقادي بعبوديتهِ الفكرية ) .


ليس من العجيب أن يختلف الناس في أذواقهم وميولهم ولكن العجب بالأحرى أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف .



معضلة العقل البشري أنه ميالٌ إلى جعل مصلحة صاحبه الخاصة والمصلحة العامة واحدة . فكل شيءٍ ينفع صاحبه يصبح في نظره حقًا مطلقًا يجب أن يتبعه الناس جميعًا . وهذا هو الذي يدعونا إلى الشك في نزاهة أي إنسانٍ يدعونا إلى اتباع الحق المطلق أو العدل المطلق . أو ما أشبه ذلك من مثلٍ عليا لا وجود لها .



إن الإطار الفكري لا شعوري (...) والإنسان غير قادر التحكم في شيء لا يشعر به.



(...) الإنسان قبل كل شيء يملك نفسًا معقدة فيها الكثير من الرغبات المكبوتة والعواطف المشوبة والاتجاهات الدفينة . ففكره إذن مقيد بهذه القيود النفسية التي لا يجد عنها محيصًا إلا نادرًا . والإنسان قد يدعي أنه يفكر تفكيرًا حرًا لا تحيزَ فيه ولا تعصب ، وهو صادقٌ أحيانًا فيما يقول ، لأنه لا يعلم ماذا كمن في عقله الباطن من عقد وعواطف ونزوات خفية.



إن مشكلة النزاع البشري هي مشكلة المعايير والمناظير قبل أن تكون مشكلة حق وباطل. وما كان الناس يحسبون أنه نزاع بين حق وباطل هو في الواقع نزاع بين حق وحق آخر.



إن العبقري كثيرًا ما  يضحك على نفسه وعلى جماعته ، وهو لا يكاد يعرف الخجل أحيانًا .



 يحاول دعاة الحقيقة في كلِ حينٍ أن يكافحوا الأوهام بين الناس  ، وما دروا أن الوهم ربما كان أنفع من الحقيقة أحيانًا . فلو أن الإنسان عاش على الحقيقة وحدها لفني منذ زمنٍ بعيد .



إن الإنسان يطلب الحقيقة أحيانًا ولكنه لا يستطيع أن يعثرَ عليها . وهو مضطرٌ إذن أن يخلق بأوهامه حقيقةً خاصة به تعينه على حل مشاكل الحياة .



(...) مشكلة هذه الحياة أنك لا تستطيع أن تجد فيها شيئًا ينفعُ من غير ضررٍ أو يضرُ من غير نفعٍ- في كل حين .



لعليَ لا أغالي إذا قلتُ بأن الإنسان كلما تعقدتْ حضارته المادية وزادتْ ثقافتهُ العقلية ضعفتْ بذلك قواه النفسية . كأنما النفس والمادة على طرفي نقيض ، فلا تنمو قوة إحداهما إلا على حساب الأخرى .




لقد تطرفَ الناسُ كثيرًا في الاعتماد على الضمير البشري واعتبروه صوت الحق المُطلق والعدل في الإنسان . وهذا خطأٌ فظيع . فالضمير يتحيز ويتحزب في اتجاهه كما يتحيز التفكير .



إن القيم الاجتماعية في الجماعة مثل العقد النفسية في الفرد : كلاهما يوجه سلوك  الناس ويقيّد تفكيرهم من حيث لا يشعرون .




إن للإنسان رغبات وشهوات يريد إشباعها على أي حال . فهو لا يحب الحق والحقيقة بمقدار ما يحب نفسه وما ينبعثُ منها من أهواء وميول . وهو إذا وجد رغباته قد كُبِتَتْ فإنه يميل أحيانًا إلى الخروج على القوانين أو إلى المراوغة في تطبيقها لكي يشبع تلك الرغبات .



(...) الإنسان يريد قبل كل شيء ، يريد أن يعيش حتى لو مات الناس كلهم دونه . إنه يقولُ في سِره : " إذا متُ عطشانًا فلا نزل المطر " .  ولكنه يتظاهرأحيانًا بعكس هذا تفاخرًا ورياءًا . وطالما وجدنا المترفين والمغرورين يّدعونَ التضحية في سبيل المصلحة العامة . وهذا كذبٌ منهم واختلاق . فهم لو كانوا فقراء كادحين قد إحاطَ بهم أطفالهم يتباكون من الجوع لأدركوا عند ذلك مبلغَ بعدهم عنِ الحقيقة .



تروي الأساطير الدينية أن امرأةً كانتْ تحملُ طفلها عندما جاءَ الطوفان أيام نوحٍ عليه السلام . وقد حاولتْ هي في بداية الأمر أن تحمي طفلها من الغرق فرفعته فوقَ رأسها . . . حتى إذا وصلَ الماءُ إلى أنفها ، وضعتْ طِفلها تحتَ قدمها وارتفعتْ عليه ، هذه هي طبيعةُ الأنسانِ في كلِ زمانٍ ومكان .




(...) كثيرٌ من أولئك الذين يدّعونَ طلبَ الحقِ والحقيقة ، إنما هم في دخيلة أنفسهم يطلبون الشهرة ، وما الحقيقة عندهم إلا وسيلة لهذا الهدف المحبوبِ جدًا .





من خوارق اللاشعور : د. علي الوردي