الثلاثاء، 25 مارس 2014

مختارات من أبي العلاء المعري





مختارات من أبي العلاء المعري 










هذا جَناهُ أبي عليَّ     وما جنيتُ على أحد


نزول كما زالَ أباؤنا           ويبقى الزمانُ على ما ترى 
نهارٌ يمرُ وليلٌ يكرُ             ونجمٌ يغورُ ونجمٌ يرى 


خَسِستِ يا أُمّنا الدنيا فأفّ لنا       بنو الخسيسةِ أوباشٌ أخسَّاءُ


مدَّ الزمانُ وأشوتني حوادثه        حتى مللتُ ، وذمتْ نفسيَّ العمرا



تعبٌ كلها الحياة، فما أعجب ُ     إلا من راغبٍ في ازديادِ


إنما هذه الحياةُ عناء               فليخبركَ عن أذاها العِيان


لا أزعمُ الصفوَ مازحًا كدرا     بل مزمعي أنّ كلّه كدرُ


فلا تطلبِ الدنيا وإنّ كنتَ ناشئًا      فإنّي عنها ، بالأخلاء ، أربْأ
وما نوبُ الأيامِ إلا كتائبٌ             تبثُ سرايا أو جيوشٌ تُعبّأ


نهار وليل عوقبًا أنا فيهما            كأني بخيطٍ باطلٍ أتشبثُ
أظن زماني كونه وفساده            وليدًا بتربِ الأرضِ يلهو ويعبثُ



طهارة نفسي في التباعدِ عنكم      وقربكم يجني همومي وإدناسي 


ضجعةُ الموتِ رقدةٌ يستريحُ فيها الجسمُ     فيها والعيش مثل السُهادِ


وقد علمنا بأنا ، في عواقينا              إلى الزوال ، ففيمَ الضغنُ والحسدُ


وليس عندهمُ دينٌ ولا نسكٌ            فلا تغرنك أيدٍ تحملُ السُبحا
وكم شيوخ غدوا بيضًا مفارقهم      يُسبحون وباتوا الخنا سُبُحا



ما أسلمَ المسلمون شرهمُ          ولا يهودٌ لتوبةٍ هادوا
ولا النصارى لدينهم نصروا    وكلهم لي بذلك أشهادُ


 قالوا: فلانٌ جيدٌ لصديقهِ       لا يكذبوا ما في البريةِ جيدُ

   
 مضى الزمانُ ونفسُ الحيِّ مولعةٌ         بالشرِ من قبل هابيلٍ وقابيل


يغدو الفقيرُ وكلُّ شيءٍ ضدهُ          والأرضُ تغلقُ دونهُ أبوابها
فتراهُ محقوقًا وليس بمذنبٍ            ويرى العداوةَ ولا يرى أسبابها
حتى الكلابُ إذا أرادتْ ذابرةً         هشتْ إليه وحركتْ أذنابها
وإذا رأتْ يومًا فقيرًا بائسًا             نبحتْ عليهِ وكشرتْ أنيابها




يسوسون الأمورَ بغير عقلٍ      فيُنفذُ أمرهم ويقالُ : ساسةْ
فأفّ من الحياة وأف مني        ومن زمانٍ رئاستهُ خساسةْ


في البدو خرابُ أذواذ مسمومة     وفي الجوامع والأسواق خرابُ
فهولاء تسموا بالعدولِ أو التّجارِ   واسم أولاك القوم أعرابُ



إذا انفردَ الفتى أمنتَ عليهِ       دنايا ليس يؤمنها الخلاطُ



في الوحدةِ الراحة العظمى فأحي بها       قلبًا وفي الكون بين الناسٍ أثقال


 أراني في الثلاثةِ من سجوني          فلا تسأل عن الخبرِ النبيثِ
لفقدي ناظري ، ولزوم بيتي            وكون النفس في الجسدِ الخبيثِ



دعا ليَّ بالحياة أخو ودادٍ             رويدكَ إنما تدعو عليّا 
وما كان البقاءُ ليَّ اختيارًا           لو أنَّ الأمر مردودٌ إلّيا




قد فاضتِ الدنيا بأدناسها      على براياها وأجناسها
والشرُ في العالمِ حتى التي    مكسبها من فضلِ عرناسها
وكلُّ حيٍّ فوقها ظالمٌ          وما بها أظلمُ من ناسها




طهارةُ مثلي في التباعدِ عنكم           وقربكم يجني همومي وأدناسي
عداوةُ الحمقِ أعفى من صداقتكم       فابعد عن الناسِ تأمن شر الناسِ
قد آنسوني بإيحاشي إذا بعدوا          وأوحشوني في قربٍ بإيناسِ



لا تشرفنَّ بدنيا عنك معرضة        فما التشرفُ بالدنيا هو الشرفُ


وزهدنَّي في الخلقِ معرفتي بهم     وعلمي بأن العالمين هباءُ


لو أنَّ كلَّ نفوسِ الناسِ رائيةٌ    كرأي نفسي تناءتْ عن خزاياها
وعطلوا هذه الدنيا فما ولدوا     ولا اقتنوا واستراحوا من رزاياها



ضحكنا وكان الضحكُ منا سفاهةً     وحقُّ سكانِ البسيطةِ أن يبكوا
يحطمنا ريبُ الزمّانِ كأننا             زجاجٌ ولكن لا يعادُ له سبكُ

توحدِ فإنَّ ربكِ واحدٌ         ولا ترغبنّ في معاشرةِ الرؤساءِ



في كلِّ جيلٍ أباطيلٌ يدانُ بها         فهل تفردَ يومًا في الهدى جيلُ


دع آدمًا لا شفاهُ اللهُ من هبلٍ        يبكي على نجلهِ المقتولِ هابيلا
ففي عقابِ الذي أبداهُ من خطأ     ظللنا نمارسُ من سُقمٍ عقابيلا
دهرٌ يكرُ ويومٌ ما يَمرُّ بنا               إلاّ يزيدُ به المعقولُ تخبيلا



كأنَ حواء التي زوجُها          آدمُ لم تلقَحْ بشحصٍ أريبْ
قد كثرتْ في الأرض جهالنا     والعاقل الحازم فينا غريبْ


إذا ما ذكرنا آدمًا وفعالهُ           وتزويجهِ بنتيهِ لابنيه في الخَنا
علمنا أن الناسَ من نسلِ فاجرٍ    وأن جميعَ الخلقِ من عنصرِ الزنا




يحسنُ مرأى لبني آدمٍ              وكلُّهم في الذوقِ لا يعذبُ
ما فيهم بَرٌّ ولا ناسكٌ               إلاّ ألى نفعٍ له يجذِبُ
أفضلُ من أفضلهم صخرةٌ        لا تظلمُ الناسَ ولا تَكذبُ




وأشرفُ من يرى في الأرضِ قذرًا         يعيشُ الدهرَ عبدَ فمٍ وفرج



إذا سألوا عن مذهبي فهو بيّنٌ         وهل أنا إلا مثل غيري أبله؟
خلقتُ من الدنيا وعستُ بها           أجِدّ كما جدوا وألهو كما لَهو


 قالوا العمى منظرٌ قبيح         قلتُ بفقدي لكم يهونُ
واللهِ ما في الوجودِ شيءٌ        تأسى على فقدهِ العيونُ





  

هناك تعليقان (2):