الأحد، 19 يوليو 2015

الجزء الثالث: موت أوليفييه بيكاي - إميل زولا





للوصول للجزء الأول، يرجى الضغط هنا.
للوصول للجزء الثاني، يرجى الضغط هنا.




الفصل الثالث:


لمْ يعدْ بإمكاني الحديثُ عنِ احتضاري في صبيحةِ اليوم الموالي. كانَ الأمرُ أشبهَ بكابوسٍ مروِّعٍ جعلَ مشاعري في تفردٍ واختلاطٍ منقطعِ النظير، لدرجةٍ يصعبُ عليَّ معها التعبيرُ عنها. انتظارُ استيقاظٍ مفاجئٍ كانَ يجعلُ عذابيَّ أقسى وأقسى، وكلّما اقتربتْ ساعةُ الدَّفنِ أكثر، تمكنَ الخوفُ مني أكثر.
استغرقَ الأمرُ حتى حلولِ الصَّباحِ لأستعيدَ وعيي بما يدوُر منْ حولي. صريرُ فتحِ النافذةِ أيقظني منْ غفوتي. كانتِ السَّيدةُ غابين هي منْ فتحَ النافِذة. كانتِ السَّاعةُ حوالي السابعة صباحًا، لأنّني سمعتُ صوتَ الباعةِ في الشَّارع، وصلني صوتُ فتاةٍ صغيرةٍ تبيعُ الكزبرة، وأخرى تبيعُ الجزَّر. هذا الاستيقاظُ المزعجُ لباريسَ هدأني أولَ الأمر: منَ المستحيلِ أنْ يكونَ مصيري الترابُ وسطَ كلِّ الحياةِ المحيطةِ بي. ثمَّ تبادرتْ إلى ذهني ذكرى طمأنتني تمامًا، تذكرتُ حالةً مشابهةً لحالتي، حدثتْ حينَ كنتُ موظفًا في مستشفى غيراند: نامَ أحدهم مدةَ ثمانٍ وعشرين ساعة، كانَ نومه عميقًا جدًا لدرجةِ أنَّ الأطباءَ حاروا في إعلان وفاته؛ ثمَّ تمكنَّ هذا الرجلُ في النهايةِ منَ الجلوس، لقدِ انتهى به الأمرُ بأنِ استيقظ. أنا نمتُ مدّةَ خمسٍ وعشرينَ ساعة، إذا حدثَ واستيقظتُ حوالي العاشِرة صباحًا، فلنْ يكونَ الوقتُ قد تأخرَ بعد.
بَدَأْتُ أحاولُ مَعرفةَ مَا يقومُ بِه كلُّ شَخصٍ مِن حَولِي. الصَّغيرةُ ديدي كَانت تلعبُ أمامَ الغُرفةِ، لأنّني سَمعتُ ضَحكاتِ طِفْلٍ تَنفذُ عبرَ بابِ الغُرفةِ المَفتوحِ. دُونَ أدنى شّك، لم يكنْ سيمونو في الغُرفةِ: لا يُوجَدُ أيُّ أَثرٍ لحضورهِ. كُنتُ أَسْمعُ صوتَ شِبشبِ السّيدةِ غابين. وأخيرًا سَمعتُ صَوتًا جَديدًا.
-عزيزتي، أنتِ مُخطئةٌ بِعدمِ شُرْبكِ إِيّاهَا سَاخِنةً. قالتِ العَجوز.
مِنْ صَوْتِ الإِبريقِ على نارِ المِدفأَةِ، فَهمتُ أنّهما تَتحدّثانِ عنِ القهوةِ.
-ليسَ لِمجردِ الحَديثِ، لكنّني احتجتُ هذا دَائِمًا، وَاصلتِ العجوزُ حَديثَهَا، فِي عُمري هَذَا،  لا يَضرّني السّهرُ أَبداً. وَأَعلمُ كَم يَكونُ اللّيلُ شَاقًّا في أثناءِ أحداثٍ بمثلِ هذَا السّوءِ... اشرَبي إذن بَعْضَ القهوةِ  يا عزيزتي، رَشفةً واحدةً فقط.
ثمَّ سَاعدتْهَا على شُرْبِ فِنْجانٍ كامِلٍ.
-كيفَ وَجدْتِها إذن؟  إنّها سَاخنةٌ وسَتُفِيدُكِ. أنتِ تحتاجينَ الكَثيرَ مِنَ القوّةِ للوقوفِ حتى آخرِ النّهار... الآنَ سَيكونُ جَديرًا بِكِ الذّهابُ إلى غُرفتي والانتظارُ هُناكَ...
-لا، أريدُ البَقاءَ هُنَا. أَجابتْ مارغريت في حزمٍ.
لَمْ أسمعْ صوْتها منذُ البارحَةِ، لقد أثّرَ عليَّ سماعهُ الآن. بَدا صوْتُها مُتَغيّرًا، مُنكسِرًا منَ الألمِ.
آه! يَا زَوجتيَ العَزيزة! كُنتُ أحِسّها قَريبةً مني، وكأنّه عًزاءٌ أخيرٌ. وَأعلمُ أَنَّ عَينهَا لَمْ تُغادِرني طوال اللّيلِ، وأنّها ستبْكيني حتى آخرِ دَمْعِهَا.
مرَّتِ الدَّقَائِق، وسَمِعْتُ عندَ البابِ ضجيجًا لم أكنْ قادرًا على تفسيرهِ أوّلَ الأمرِ. كانَ شبيهًا بِصوْتِ نقلِ أثاثٍ عَبْرَ سُلّمِ الفُندقِ الضّيقِ. ثمَّ فَهمتُ الأَمرَ حينَ سَمعتُ مارغريت تبكي. لَقد كانَ ذلك النّعش.
-لقد جِئْتُم بَاكِرًا جدًّا، قالتِ السَّيدةُ غابين في انزعاجٍ واضحٍ، ضَعوهُ خَلفَ السّرير.
كم كانتِ السّاعةُ حينَها؟ أَعتقدُ أنّها التّاسِعَة. وكانَ نَعْشِي قد وَصل. وكُنتُ أراهُ في منامي سميكًا، جديدًا، وكأنَّ ألْواحهُ عُدِّلَت للتّو. يا إلهي! هل انتهى كلُّ شيء؟ هل سأُحمَلُ في هذا الصّندوقِ الّذي أتَحسّسه عندَ قَدَمي؟
انْتابَتْنِي مَع ذَلِكَ سعادةٌ لا تُوصَف. مارغريت، ورغمَ إرهاقها الشّديد، أرادتْ أنْ تعتنيَّ بي. تولتْ بنفسها مهَمةَ إلباسي بمساعدةِ السَّيدةِ غابين، بحنانِ الأختِ والزَّوجة. شعرتُ أنّني بينَ ذراعيها مرَّةً أخرى، مع كلِّ قطعةِ ثوبٍ تُلبسني إيّاها. وتوقفتْ وهي متأثرةٌ جدًا؛ عانقتني حتى بللتني دموعها. تمنيتُ لو أستطيعُ ردَّ عناقها وأصرخ: "أنا حيّ!" بقيتُ كما أنا، لا حولَ لي ولا قوَّة، مجردُ كتلةِ لحمٍ جَامدة.
-أَنتِ مُخْطئة، كلّ هذا سَيضيع. قالتِ السّيدةُ العَجوز.
أجابتها مارغريت بِصوتٍ مُتَقَطّعٍ:
-دَعيني، أُريدُ أنْ أُلبِسهُ أَجْملَ ما نَملكُ.
فَهمتُ أنّها تُلبِسُني مَا كنت أَرْتَدِيه في يَومِ زفافِنا. احتفظتُ بملابسِ ذلك اليومِ، و قَرّرْتُ أن لا أَسْتعمِلها في باريس إلا في الأيّامِ المُهِمة. بعدها، رَمَتْ نَفسهَا على الكُرسِي، مُتعَبَةً من كلّ ذلك المَجْهودِ الّذي بَذَلتُه.
ثم تدخّل سيمونو فجأةً، لا بد أنَه دَخَلَ تَوّا:
-إِنّهُم في الأَسفل.
-حسناً، لَم يَأتوا باكراً، أجابت السيدة غابين، ثمّ خَفَضَت صَوْتَهَا قَائِلَةً، أَخُبرهُم أن يَصْعدوا، عَلَيْنَا إِنْهَاءُ الأَمرِ.
-أنا خائِفٌ من انهيارِ هَذه المِسكينة.
-اسمع، سيّد سيمونو، خُذْهَا بالقُوّة لِغُرفتي... لا أُريدها أن تَبْقَى هُنا. هذا لِمَصْلَحَتِهَا... وسَنُنهي الأَمْرَ بِسُرْعَةٍ.
لامَسَت كَلِمَاتُها هَذِه قَلْبِي مُبَاشَرَةً. مَاذَا سَأَفْعَل، حينَ أَسْمعُ مُقاوَمَتَهَا لهم. اقتربَ سيمونو من مارغريت، وَ رَجَاهَا أن تَتْرُكَ الغُرْفَة.
خاطَبَهَا قَائِلاً:
-أرجوكِ، تَعالي مَعِي... أَريحِي نفسكِ مِن مُعَانَاةٍ لا تُفِيدُ في شيءٍ.
-لا، لا، أجابت زَوْجَتِي، سَأبْقَى، أُريدُ الَبقاءَ حتّى آخرِ لَحْظَةٍ. فَكِّر قَليلاً، لَيسَ لي غَيرهُ في هَذَا العَالمِ، وسأكونُ وَحيدةً تَماماً حين يرحل.
ولكن، قُربَ السّريرِ، هَمَسَتْ السّيدةُ غابين في أُذنِ سيمونو قائِلةً:
-هيّا، مَاذا تَنْتَظِر؟ احملهَا بيْنَ ذِراعَيْكَ.
هَل سَيَفعلُ سيمونو؟ هَل سَيَحملُ مارغريت بين ذِراعيْهِ؟ مُباشَرةً بعدَ هذَا، سَمعتهَا تَصرخُ. تمكّن منّي غضبٌ شَديد، أردتُ أنْ أقف، لكنَّ نَوابِضَ لَحمي لمْ تكنْ تَعملُ. وَبقيتُ جامدًا، لا أَستطيعُ حتى أنْ أَرفعَ جَفني لأَرى ما يَحدُثُ هناك، أَمامي مُباشرةً. استَمرَّتْ مُقاوَمَةُ زَوْجتي، كانتْ تُمسِكُ بالأثاثِ مردّدةً:
-أرجوكَ، أرجوكَ يا سيّد... أُترُكني، لا أُريدُ.
لا بدَّ أنّه يُمسِكُها بَين ذِراعَيْهِ، لأنّها لمْ تعُد تَتفوّهُ سِوى بِصَرخاتٍ طُفوليّةٍ. ضَاعتْ صَرخاتُها عَبثًا، لم تَعُد تَصِلُني، تخيّلتُ أنّني أراهُما، هو كبيرُ وصَلبٌ، يَحمِلُها على كَتفِه، وهي غارِقةٌ في دُموعِها، مُنكسِرةً، ومُستسْلِمةً لهُ يحمِلُها أَينمَا شاءَ.
-يا للعجب! لقدْ كانَ ذلك صعبًا! همهمتِ السَّيدةُ غابين. هيّا، أسرعوا! ما دامتِ الغرفةُ فارغة.
في ذَروة الغضبِ والغيرةِ اللتين تجتاحانني، بدتْ لي عمليةٌ حملها كاختطافٍ حقير. لمْ أرَ مارغريت منذُ الأمس، لكنّني كنتُ أسمعها.
والآنَ انتهى الأمر؛ منعوها عني؛ وهي الآنَ مع رجلٍ محظوظٍ برفقتها، حتى قبلَ أنْ أدفَن.
لقدْ كانَ معها، يفصلني حائطٌ عنهما، وحده معها ليواسيها، وربما ليقبلها!
فُتِحَ البابُ منْ جديد، سمعتُ هذه المرَّةَ خطواتٍ ثقيلةً تمشي في الغرفة.
-أسرعوا! أسرعوا! ردَّدَتِ السَّيدةُ غابين، لا بدَّ أنَّ زوجته المسكينة تحاولُ العودة.
كانتْ تتحدثُ لرجالٍ لا تعرفهم ولا يردونَ عليها إلاّ بهمهمات.
-أنا لستُ منْ عائلته، أنا منْ جيرانه فقط. ليسَ لي أيُّ ربحٍ في هذا كلّه. أفعلُ هذا كلّه فقط لأنَّ حسنَ المعاملةِ واجبٍ بينَ الجيران.
 لمْ أقضِ كلَّ الأمورِ بعد... نعم، نعم، لقدْ قضيتُ ليلّة هنا.
 حتى إنَّ الجَّوَ لمْ يكنْ حارًا، حوالي السَّاعة الرابعة.
حسنًا، لقد كنتُ دائمًا غبيّة، لكنّني طيبةٌ للغاية.
في هذه الأثناء، جروا النعشَ إلى منتصفِ الغرفة، وفهمت. لقدْ حُكِمَ عليَّ بالموت، لأنّني لمّا أستيقظْ بعد. بدأتْ أفكاري تفقدُ نقاءها، كلُّ شيءٍ داخلي كانَ كأنّه دخانٌ أسود. واستسلمتُ أخيرًا، ومنحني ذلك بعضَ الرَّاحة: راحةَ أنْ لا تنتظرَ شيئًا بعد.
-لم يقطعوا الخشبَ جيدًا على ما يبدو، نطقَ متعهدُ الدَّفنِ بصوته الأجش، الصندوقُ أطولُ منه بكثير.
-حسنًا! سيكونُ مرتاحًا فيه، أضافَ أحدهم في بهجةٍ غيرِ مفهومة.
لمْ أكنْ ثقيلاً، لا بدَّ أنّ هذا أفرحههم، إذ إنّهم سيضطرون لحملي ثلاثةَ طوابق. بينما كانوا يمسكونَ بكتفي ويعدلونَ قدمي، صرختِ السَّيدةُ غابين في غضبٍ شديد:
-انظروا لهذه الطفلة اللّعينة! يجبُ أنْ تحشرَ نفسَها بكلِّ الأمور! انتظري! سأعلمكِ كيفَ تنظرينَ منْ فتحةِ الباب!
 كانتْ تلك ديدي التي دفعتِ البابَ قليلاً وأطلَتْ بشعرها الأشعث. تريدُ أنْ تراهم يضعونَ الميّتَ في الصندوق. سمعتُ صوتَ صفعتينِ قويَّتين، انفجرتْ بعدهما الصبيّةُ بالبكاء. وبعدَ أنْ دخلت، تحدثتْ أمها مع الرجالِ الذين يضعونني في نعشي بخصوصِ طفلتها.
-عمرها عشرُ سنوات، إنّها لطيفة؛ فقط ينتابها الفضولُ منْ حينٍ لآخر... لا أضربها دائمًا، إنّما عليها أنْ تنصاعَ للأوامر..
-أتعلمين؟ نطقَ أحدُ الرجال، كلُّ الفتياتِ يشبهنها... حينَ يكونُ هنالك ميِّتٌ في أيِّ مكان، تجدُ الفتياتِ يبحثنَ عنْ طريقةِ للمُشاهدة.
كنتُ مستلقٍ في وضعٍ مريح، لدرجةِ أنّني كنتُ لأعتقدَ أنّني مازلتُ على السّريرِ لولا أنَّ يدي اليسرى كانتْ متشنِّجة، إذْ كانتْ موضوعةً مباشرةً على خشبةِ النعش. وتمامًا كما قالوا، كنتُ مرتاحًا في نعشي، بسبّبِ قامتي القصيرة.
-انتظروا! صرختِ السَّيدةُ غابين، وَعَدْتُ زوجته بأنْ أضعَ وسادةً تحتَ رأسه.
لكنَّ الرجالَ كانوا مستعجلين. وضعوا الوسادةِ بقسوة. أحدهم كانَ يبحثُ عنِ المطرقةِ وهو يطلقُ وابلاً منَ السُباب. لقدْ نسَوها في الأسفل، ويجبُ على أحدهم أنْ ينزلَ ليحضرها. وضعوا الغطاء، شعرتُ باهتزازٍ خفيفٍ في جميعِ أنحاءِ جسدي حينَ دقوا أولَ مِسمارٍ في النَّعش. لقدْ حدثَ ما كنتُ أتوقعه، عدتُ للحياة! ثمَّ بدأتِ المساميرُ تدخلُ واحدًا تلو الآخر، بسرعة، وصوتُ المطرقةِ يتردَّدُ سريعًا أيضًا. إنّهم يقومونَ بالأمرِ كما لو أنّهم موظفو معملٍ يغلقونَ صندوقَ فواكهَ جافةٍ بلامبالاةٍ غريبة. بعدَ ذلك، توقّفَ الضجيجُ عنْ بلوغِ أذنيَّ إلاّ بعضَ الأصواتِ الخفيفةِ والخافتةِ على نحوٍ غريب، كما لو أنَّ الصندوقَ الخشبيّ تحولَ إلى صندوقِ صدى. آخرُ صوتٍ سمعته في الغرفةِ كانَ صوتَ السَّيدةِ غابين التي كانتْ تُحذّرُ الرّجالَ:
-انزلوا بهدوء، وحاذروا منْ سُلَّمِ الطابقِ الثاني الذي لم يعدْ جيدًا كما كان.
إنّهم يحملونني، أحسستُ كما لو أنّني داخلَ بحرٍ مضطرب. ابتداءً منْ تلك اللّحظة غدتِ ذكرياتي ضبابية. أتذكرُ مع ذلك ما شغلني في تلك اللّحظة، أمرٌ تافهٌ وآلي، حاولتُ معرفةَ طريقِ المقبرة. لم أكنْ أعرفُ شوارعَ باريس، كنتُ أجهلُ أماكنَ المقابرِ الكبيرة، حتى تلك التي تلقفتها مسامعي ذاتَ مرَّة، لم يمنعني ذلك منَ التركيزِ على دوراننا شمالاً أو يمينًا. كانتْ عربةُ نقلِ الأمواتِ تدحرجني. إلى جانبي، كانتْ حركةُ العرباتِ والمُشاةِ تتوقفُ  في أثناءِ عبورنا، ما كانَ يتيحُ لي فرصةَ سماعِ دحرجةِ النَّعش. تتبعتُ الطريقَ جيدًا في البداية.
ثمَّ بعدَ ذلك، في محطةٍ معيَّنة، حملوني مجدَّدًا، فهمتُ أنّني في كنيسة، ولكنْ لما تحركتْ عربةُ نقلِ الأمواتِ مجدَّدًا، فقدتُ كلَّ وعي بما يجري منْ حولي. تردَّدَ ناقوسٌ أعلمني أنّنا نمرُّ جانبَ كنيسة؛ وحينَ لاحظتُ تبدُلَ السُّرعةِ وتباطأَها استنتجتُ أنّني محمولٌ إليها.
كنتُ مثلَ محكومٍ يُنقلُ إلى مكانِ العقاب، أو مثلَ أحمقَ ينتظرُ صدورَ عفوٍ لا يأتي.
توقفوا عنِ المسير، سحبوني منَ العربة. توقفَ الضجيج للحظة، شعرتُ أنّني في مكانٍ مُقْفَر، تحتَ الشّجر، مع السّماء العريضةِ أعلى رأسي. بلا شَّك، كانَ هناك بعضُ الأشخاصِ يتابعونَ الدَّفن، نزلاءُ الفندقِ ومعهم سيمونو، لأنَّ صوتهم كانَ يبلغني. سمعتُ ترنيمةً باللاتينيّة منْ تلاوةِ القس. توقفوا لدقيقتين.
فجأةً، شعرتُ أنّني أغرَق؛ بينما كانتِ الحبالُ مشدودةً كالنبالِ في زوايا النَّعش، مما أعطى صوتًا شبيهًا بالكونطر-باس المشقوق. تلك كانتِ النهاية، ضربةٌ قويّةٌ شبيهةٌ بدويِّ رصاصةٍ أصابتْ أعلى رأسي على اليسار؛ وضربةٌ أخرى أصابتْ قدماي؛ أما أقوى الضرباتِ وأكثرها صَخبًا فقد جاءتْ هذه المرَّة في بطني، لدرجةِ أنّني خِلتُ أنَّ النَّعشَ قد انقسمَ نصفين. وبعدها أغميَّ عليّ.


... يُتبع



ترجمة: Achraf Nihilista

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق