الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

أوشو... عن كارل يونغ وعلم النّفس الغربيّ







أوشو... عن كارل يونغ وعلم النّفس الغربيّ






ثمة طريق وحيدة بلا استثناء، إنّها طريق التأمُّل— والّتي ظلَّ علم النّفس الغربيّ يتجنّبها. ظلَّ يتجنَّب ليحمي بنيته وأدبياته برمتهما. مؤسسوه ومحلّلوه النّفسيين الكبار، كلُّهم سيغرقون، سيُنسَون لو دخل التأمل المجال. لأنّ التأمُّل يستطيع مساعدتك لتكتشف شيئًا يتجاوز عقلك.
يوجد الإيجو بين العقل والجسد. إنّه كيان زائف. ليستِ الذّاتُ موجودةً بين العقل والجسد، إنّما وراء العقل. ولتبلغ الذَّاتَ عليك أن تتعلَّمَ طرائق إسكاتِ العقل، بحيث تختفي ثرثرته المستمرة. وذلك لأنَّ الذَّات الحقيقيّة صمتٌ مطلق.
ما لم يُدمِج علم النّفس الغربيّ التأمُّل، فسوف يظلُّ موثقًا إلى الأنا. لا يستطيع ترك الإيجو لأنّ دون إيجو لا يعود عندها ثمة مركز للإنسان. على الأقل ثمة شيء— قد يكون زائفًا— لكنّه شيءٌ نتمسَّك به... لكنّه يدمِّر حياة الإنسان كلِّها. يزيد من اندفاعه أكثر فأكثر، يجعله أسرع دون أن يعرف إلى أين هو ذاهب. ولماذا هو ذاهب، دون حتى أن يتقصى من يكون. 
لم يسأل علمُ النّفس الغربيّ سؤالًا أساسيًّا— مَنْ أنا؟— لأنّ هذا السؤال سيدمِّر الإيجو الزّائف. وأن تسأل ذلك السؤال يعني أن تدخل عالَمَ التأمُّل، والتأمُّل بإيجاز هو حالة من اللاعقل. ولقد خاض علم النّفس الغربيّ، وما يزال، آلامًا كبيرة لينكر أيّة حالةٍ كهذه من اللاعقل— إنّ العقل نهاية وجودك— موقف غير علميّ بالمرّة من دون استكشاف أو حتى الاطلاع على التّاريخ الطويل لمتصوِّفي الشّرق— ليس علم النّفس الغربيّ سوى علمٍ بعمر... قرن واحد. لقد وُلِدَ للتو.
يقارب عمر الصوفيّة الشرقيّة عشرة آلاف سنة. ليستْ قضيّة كلمة رجل واحد، أو بلد واحد؛ بل بلدان محتلفة وأعراق مختلفة وأزمنة مختلفة، ولم يكن بينها تبادل في الأفكار، وصلوا جميعًا إلى نفس الخلاصة. لا يمكنك أن تواصل تجاهل الأمر ببساطة. نصف البشريّة— وعلى الأرجح النّصف الأفضل؛ لأنّه تحضَّر قبل الغرب، تثقف قبل الغرب بزمن طويل، عاش كلَّ الأمجاد الّتي يعتقد الغرب أنّه يبلغها الآن... عند النظر إلى أدب تلك الشعوب ومخطوطاتها وموسيقاها وشعرها، سيكون عليك أن تفكِّر أنّ النّاس الّتي أبدعتْ مثل هذه المخطوطات، ومثل هذا الشعر العظيم، ومثل هذا الرسم العظيم، ومثل هذه الموسيقا العظيمة، لا يجب تجاهلها اعتباطًا. يجب الاستماع إليهم بحرص ويجب استكشاف كلِّ ما يقولونه دون أيِّ تحيُّز. إنّهم يقولون إنّ العقل ليس نهاية الإنسان؛ بل اللاعقل هو حقيقته الجوهريّة.
العقل ظاهرة متغيّرة، إنّه جريان متواصل— ونعلم ذلك! إنّه يتغيّر كلَّ لحظة. إن الأفكار في حالة ازدحام مستمرّة. لا تستطيع إبقاء فكرة واحدة في عقلك لأكثر من بضع لحظات. إنه جريان متواصل غير مستقر. ليس بوسعه تأسيس حقيقة الإنسان الجوهريّة. ثمة حاجة لشيء أكثر تماسكًا. وهو هناك، لقد تمّ اكتشافه. عاشه ناس. وبوسعك رؤية الفرق: ما يزال أعظم محلّل نفسيّ في الغرب عرضة لنفس ضروب الأمراض مثل أيِّ إنسان عادي، لنفس الجنون، لنفس الشيزوفرينيا. بخصوص خبرته، فهو متمرّسٌ جيّدًا بالفعل، لكن فيما يخص إنسانيته، هو عادي كأيِّ شحض آخر. ليس فيه تحوّل جذريّ.
اشتُهرَ الأطباء النفسيون بأنّهم يغتصبون مرضاهم— أنّى لهؤلاء النّاس إذن أن يقدموا المساعدة ؟ يصاب أطباء النّفس بالجنون ضعف ممارسي المهن الأخرى. وينتحرون بمقدار ضعفي من ينتحرون من ممارسي المهن الأخرى. ليسوا أناسًا مرحين، ليسوا هادئين وساكنين، لا تبدو عليهم سكينة الصوفيين، ولا سعادتهم ولا يقينهم ولا هيبتهم. كلُّ ما يحلُّ بهم من صنيع العقل.
يظْهر الصوفيّ أعلى مرتبةً من المحلّل النّفسي. في الواقع إنّ المحللين النّفسانيين يخافون مواجهة الصوفيين؛ لأنّ مَثَلَهم أمام الصوفيين كمثلِ الجمل قرب الجبل. لا تحبُّ الجمال الذهاب إلى الجبال؛ تحبُّ الصحراء. فهناك تكون هي الجبال.
كان كارل غوستاف يونغ في الهند. زار تاج محل، ذهب ليرى مجموعة معابد خاجوراهو، ذهب ليرى معابد كوناراك، لكنّه لم يذهب لرؤية رامانا مهارشي. وحيثما ذهب، قيل له مرارًا وتَكرارًا " أنت أحد أعظم المحلّلين النّفسييين في الغرب، عليك ألاّ تفوِّتَ فرصة لقاء صوفيّ مشرقيّ قد بلغ صفْوَه الكامل."
كان في الجنوب، على بعد ساعتين من بلوغ رامانا مهارشي لو أراد ذلك. لثلاثة أشهر كان في الهند، لكنّه تجنَّب الأمر. لا يمكن لهذا أن يكون محض صدفة. ولقد شعر هو نفسُه أنّه مدين بتفسير ما، وإلاّ سيبدو الأمر على أنّه تجنَّب. وبطبيعة الحال، لمّا كان مفكرًا عظيمًا ومحلِّلًا نفسيًّا كبيرًا- كان بوسعه إيجاد أيِّ عذرٍ وأيِّ تفسير، وقد وقع على تفسيرٍ يمكن اعتباره خطيرًا.
صدر تفسيره عندما عاد لزيورخ، صرّح بأنّه لم يذهب لرؤية رامانا مهارشي" لأنّ ثمة اختلاف بين طرائق الشّرق وطرائق الغرب، وأنّ الطريقة الشرقيّة خطيرة على الإنسان الغربيّ؛ إذ إنّه نشأ بطريقة مختلفة، تقاليده مختلفة وثقافته مختلفة ودينه مختلف وتطوره النّفسيّ كلّه مختلف. إن من الخطير أن نجلب لهذه النّفسيّة المختلفة أيّة طريقة من الشّرق؛ لأنّ تلك الطرائق طوَّرتْ لإنسان مختلف، لنفسيّة مختلفة- ولهذا لم أزره." لكن هذا كلّه هراء، فمن قال إنّ عليك اتباع رامانا مهارشي، من قال إنّه عليك استعمال تقنياته وطرائقه؟
كلُّ ما كان يصرُّ النّاس عليه هو أنّ عليك أن تراه على الأقل. مجرّد لقائه لم يكن ليدمِّرَ علم نفسِك الغربيّ. لو كان هذا العلم ضعيفًا وهشًا لدرجة أنّ لقاء رامانا مهارشي سيدمره، فهو لا يستحق عناء الإبقاء عليه — يجب أن يدمَّر، وكلّما كان ذلك أقرب كان أفضل. لم هدر الوقت على شيء بهذا الضّعف؟ رامانا مهارشي ليس خائفًا منك.
حين قيلَ لرامانا مهارشي إنّ كارل جوستاف يونغ هنا وإنّه قيل له باستمرار من قبل كلِّ عالِم نفسٍ يلتقيه في الهند" إنّ لقاء أيِّ بروفيسور تحليل نفسيّ في الهند عديم الجدوى؛ لأنّهم ببساطة يكررون ما تنتجه أنت في الغرب كالببغاوات. من الأحسن أن تذهب لترى شخصًا فريدًا ومختلفًا لتكون لديك نظرة مقارنة." حين سمع رامانا بهذا وأنّه قد يأتي إليه شعر بالغبطة. وقال: "مرحبًا به في أيِّ وقتٍ شاء القدوم، أنا متوفر"
وهذا الرجل أميّ. ترك منزله في عمر السّابعة عشر. ليس خبيرًا بأيِّ شيء. ليس عالِم منطق، ليس فيلسوفًا وليس خائفًا من أيٍّ من مؤسسي علم التحليل النّفسيّ. كان ليسعد برؤيته. لكنّ محلّل النّفس جبان.
بالنّسبة لي، ليستْ هذه مجرّد حادثة بين يونغ ورامانا؛ إنّها رمزيّة للغاية، وذاتُ مغزى. علم التحليل النّفسيّ الغربيّ خائفٌ لأنّه قائمٌ على رمال متحركة، لا أساسَ له. إذن لو سألتني، لا يمكن لي أن أقترح عليك تغييراتٍ صغيرةٍ هنا وهناك. ليس بوسعي أن أخبرك كيف تقدر على ترميمه تاركًا البنیان القديم سليمًا— مجرّد أن تطليه بلون جديد، وأن تعيد ترتيب الأثاث وما إلى ذلك. لا. أساساتُ البناء كلّه قائمةٌ على نحو خاطئ.
على علم النفس الغربيّ أن يترك الإيجو وأن يجد الذّاتَ الحقيقيّة وذلك غير ممكن من دون التأمُّل. لقد فعلها الشّرق لآلاف السنين. لذا ليس الأمر جديدًا، ليس شيئًا غير مُستكشَف، ليس أمرًا دونكيخيوتيًا. إنّه أمرٌ تقف القرون له دعامة. ولم يُجَنَّ أيِّ متأمُّل يومًا، لم ينتحر أيِّ متأمُّل يومًا، لم يغتَصِبْ أيِّ متأمِّلٍ يومًا. ليس الأمر مجرّد تجربة عمليّة، أو فهمًا فكريًا؛ إنّه تحوَّل جذريِّ للإنسان نفسِه.
يجب تذكير المحلل النفسي بإحدى مقولاتِ سقراط؛ على الطبيب أن يشفي نفسّه أولًا. المحلّل النّفسيّ مريض بدوره، مريضٌ تمامًا. لا يختلف عن الزّبون. جميعهم في قارب واحد. إنّه يرى نفس الكوابيس ويعاني من نفس التوتراتِ النّفسيّة و يشعر بنفس اللامعنى ويحاول مساعدة النّاس الّذين يحملون نفس الأمراض. أنّى له أن يكون مرجعًا. بأيِّ وجهٍ سيؤكد للمريض أنّ الأشياء قابلة للتغيير. ليستْ شخصيته مندمجة بكليتها في عمله. إنّها دراسته فحسب.
يشبه الموضوع رجلًا يدرس تاريخ الفنّ، فيصبح مؤرخًا عظيمًا لكلِّ الفنِّ الّذي أنتج في العالَم كلّه، لكنّه لا يستطيع رسم خط مستقيم بنفسِه. لأنّ لا ذلك ليس تاريخًا. لا مغزى من ذلك، فتخصّصه التّاريخ. هذه حال المحلّل النّفسيّ: يعرف كلَّ شيءٍ عن العقل، لكنّه لا يعرف كيف يغيّره، لا يستطيع تغيير عقله حتى؛ لأنّ في كلِّ تغيير عليك أن تكون منفصلًا عن الشيء الّذي ستغيره. وهو يعرِّف نفسَه بالعقل - فمَنْ سيغيّر مَنْ؟
يخلق التأمُّل الفجوة. يأخدك ما بعد وما وراء العقل، عندها يمكنك أن تتغيّر؛ لأنّ العقل يصبح موضوعًا لك. عندها لا تعود تعرِّف نفسَك بالعقل. عندها تستطيع إعادة ترتيبه أو تغييره بشكل كامل ولا يقدر العقل أن يؤثر عليك إطلاقًا. أنت قصي للغاية، متعالٍ للغاية بحيث لا يستطيع العقل الوصول إليك.
يمنحك تعذر وصول العقل إليك قوّة هائلة. تستطيع الوصول إلى العقل وتغيير أيَّ شيءٍ تريده ويصبح العقل عاجزًا لأول مرّة. تستطيع مساعدة مرضاك على أن يتأمَّلوا.
الآن يخبرون مرضاهم أن يمارسوا تمارين تحليل أحلامٍ عديمة الجدوى. يأتي المريض مرّتين أو ثلاثًا في الأسبوع لمدّة ساعة، متحدثًا عن جميع أحلامه. وبينما يتحدث عن أحلامه، جالسًا خلف الأريكة، أتعتقد أنّ المحلّل النّفسيّ يستمع إليه؟ هل هو قادر على الاستماع؟ يحتاج لذلك إلى عقل صامت، وهذا ما لا يملكه. لربما يحلم بدوره، جالسًا في الخلف.


المصدرأوشو-تسجيلات- العهد الأخير، المجلّد الخامس.


ترجمة: Abderezak Belhachemi

هناك 10 تعليقات:

  1. صحيح: "التأمل هو بإيجاز حالة من اللاعقل"، وهذا يعني أنه = الجنون.
    استطاع علم النفس الغربي على الأقل إنقاذ 25% من البشر في الغرب بجعلهم سعداء في حياتهم، بينما لم يستطع التأمل إنقاذ ولو 1% من البشر في الشرق من بؤس الحياة - ذلك البؤس المستقر في الشرق منذ أن كان وإلى الآن، ومن الواضح أن بؤس الحياة هو الذي يقود الإنسان إلى التأمل.
    رغم جمال وقوة ما قرأت هنا ، إلا أني لا أتفق معه، فحتى إن كانت هذه الحادثة قد وقعت بالفعل وكما ورد بهذه المقالة وبكل أمانة، فإني لا أجد ذلك إثباتًا لصواب التصوف والتأمل، ولا هو بالضرورة إثبات لخطأ علم النفس ، لكنه يُثبت أهمية المنطق والفلسفة ..
    ما تفضلتم به هنا وما قرأت منه الكثير - خاصة المنسوب لـ "أوشو" ، حول التأمل، يمكن اعتباره تعريفًا للتأمل بأنه سبيل للجنون - التأمل هو وسيلة تُمكِّن العاقل من بلوغ الجنون إراديًا - وباستخدام العقل - أي استخدام العقل لإيقاف الوعي. .. قد يكون هذا الأمر مفيدًا جدًا للإنسان في مواجهة متاعب الحياة وتساؤلات الوجود، لكن ليس من الصواب ولا من الأمانة وصف التأمل "اللاعقل" بأنه بمثابة بلوغ الحقيقة أو نهاية المطاف، أو أنه الغاية التي وُجد الإنسان من أجلها ، أو أنه أفضل وسيلة للإنسان لبلوغ أفضل شيء ممكن في هذا الوجود.
    إن كل صفات المتأمل التي تم ذكرها هي صفات مجنون " لا ينتحر، لا يغتصب، لا يُجن".
    إذا كان محلل نفسي قد تحاشى أو رفض مقابلة متأمل أو متصوف، فذلك إنما هو مثلما يرفض الواعي تعاطي كحول أو مخدر، لأنه يريد الاحتفاظ بوعيه ليستمتع بما حوله وما لديه، وليس من الصواب اعتبار ذلك ضعفًا أو خوفًا أو تشككًا منه في فكره وتحليله وفهمه.
    القول بأنه على علم النفس الغربي أن يترك الإيجو وأن يجد الذات الحقيقية، هي مغالطة غير متقنة، حيث إنه ليس الإيجو سوى مصطلح لغوي للتعبير عن الذات الحقيقية، بينما الذات الحقيقة بحسب المتأملين هي عبارة عن اللاشيء، ولذلك كان ينبغي للأمانة أن تفرض على الكاتب أن يقول: على علم النفس الغربي أن يترك الإيجو وأن يُدرِك أو يعترف بأنه لا يوجد شيء اسمه الذات؛ حيث إنه لا علم النفس الغربي ولا التأمل ولا التصوف الشرقي قد أدرك الذات الحقيقية المبرهنة، وإلا لكانت اللعبة قد انتهت منذ زمن، ولما اضطر الكاتب لكتابة هذه المقالة، ولما اضطر القارئ للتعليق، وهم في نهاية العام 2016م.

    ردحذف
    الردود
    1. صباح الخير.
      اللاعقل يعني انتهاء التفكير القهري، انتهاء تدخل المشاعر الغير مرغوبة في فرض سطوتها على الجسد والعقل، انتهاء التصرفات اللاواعية، اللاعقل يعني اعادة التحكم الهادئ الصامت بكامل كياننا على مستوى السلوكيات الخارجية والانفعالات الداخلية، هو فهم للنفس للتحكم بها على وجه النسبية وليس الاطلاق. اللاعقل يعني خلو العقل من السلبية وليس الجنون، والفهم الغربي العلمي بعيد كل البعد عن هذي الحالة لذلك يصفونها بالجنون ربما لو تذوقوها لتغير الوصف.


      التأمل غير مشهور لذلك لم يحقق نسب كتلك التي يحققها بصعوبة علم النفس الغربي، التأمل والى الان هو محتكر بيد رهبان قليلي الانفتاح ومتعصبين دينيا لذلك نرى ان افكار التأمل ممزوجة بخرافات دينية سطحية ولو قُدّر له ان يدرس تحت عدسة المجهر والاختبار العلمي لنتائجة وتأثيراته في الجين والاعصاب البشرية لرأينا الاقبال الهائل عليه. لذلك نحن نعرف تماما مفعول التأمل لان معرفتنا مصحوبة بالتجربة الفردية التي حققت غايتها فينا.


      التأمل يعني زيادة الوعي وليس قتله، لذلك نتمنى ان تعود لتقرأ عن مفهوم التأمل لان حالة اللاعقل تأتي من خلال نمو الوعي.


      اما في الشق الاخير من تعليقك فاننا نذهب معك فيما قلت فالمفردات قاصرة عن توصيف بعض الحالات وربما يقع فيها سوء فهم كبير لان مصطلحات التعاليم الشرقية هي مجازية وحالة الاستنارة حالة لا تخضع ل اللغة المتوفرة تحت ايدينا يقول فيلسوف اللغة فتكنشتاين : ان الصوفي لا يقال.

      حذف
  2. إضافة ..
    أنا كاتب التعليق أعلاه "أول تعليق"، وقد نسيت أن أقول : إني متابع جيد لهذه المدونة، وقد استفدت منها كثيرًا، واستمتعت بما يُنشر فيها من درر أدبية وفلسفية منتقاة بعناية؛ وتقريبًا قرأت كل ما تحتويه من رسائل، وهي من أروع وأقوى ما قرأت على الشبكة، ولعل هذه المرة الأولى التي أختلف فيها مع ما أقرأه هنا، فشكرًا جزيلًا للقائمين عليها ..

    ردحذف
  3. عندما يتجاوز الإنسان عقله أو ذهنه عن طريق التأمل الواعي ينتقل إلى هويته الجوهرية وهي الوعي الخالص بحالة الكينونة المطلقة فقط حيث ينهار فى حضرتها كل شيء فلا يبقى هناك اجو أو انا وهمية لتجن حتى تحتاج إلى متاهة علم النفس الغربي للعلاج وباستعمال الاجو نفسه في وصفة الدواء.

    ردحذف
    الردود
    1. أولًا .. ينبغي ألا نغفل ولا ننُكر بأن التأمل بحد ذاته ما هو إلا نوع أو فرع من علم النفس، حيث إنه ليس شيئًا خارجيًا موضوعيًا تجريبيًا، بل هو تجربة شخصية فردية ذاتية، تعتمد على ثقافة المرء وحاجته وموافقته ومقدرته ومهارته، وتتم بتلقينه كلمات وممارسات وطقوس معينة، وإغرائه بنتائج خيالية مفترضة لا يمكنه اختبارها والتحقق منها خارجه، فهو من يقوم بالتجربة وهو مادتها في الوقت ذاته، وإذا فشلت العملية يتم تحميل مسئولية الفشل للمتأمل بأنه لم يفهم أو لم يؤدِ واجبه كما ينبغي، وهذا هو شأن علم النفس الغربي أيضًا وكذلك شأن المعتقدات الدينية ... ولهذا أقول إنه من المغالطة والتضليل إطلاق صفة عِلم وعالِم" في كل هذه الميادين ..

      ثانيًا .. القول بأن للإنسان هوية جوهرية، اسمها الوعي الخالص، لا يعدو كونه حلمًا أو فرضية لم تتم برهنتها لتتحول إلى حقيقة، وهذا يعني أن تجاوز العقل والذهن يتم هنا - أي في هذه المغالطة المتمثلة في عرض هذه الفرضية بصيغة أنها مُسلمة علمية أو بديهية منطقية.

      ثالثًا .. طالما ظل الإنسان على قيد الحياة فهو يظل شيئًا نسبيًا "ناقص"، ولذلك لا يصح القول بأن هذا النسبي أو الناقص يمكنه بلوغ درجة المطلق مع احتفاظه بنسبيته أو نقصه ..، فلو كان التأمل يُخرِج صاحبه من الحياة مباشرة لحظة إدراكه لحالة الكينونة المطلقة "المفترضة"، لكان الأمر يحتمل الصواب، أما أن يستوعب حالة الكينونة المطلقة وقي نفس الوقت يبقى على حالته النسبية الناقصة، فهذه فرضية لا نصيب لها من الواقعية.

      حذف
  4. أوشو، نبي القرن العشرين، وأحد أهم من أعلام الهند المعاصرين بعد غاندي طبعاً، مؤثر في الناس بدرجة كبيرة وله أتباع منتشرون في بقاع الأرض، لكن ليس أوشو هو الموضوع، الموضوع هو علم النفس أو التحليل النفسي، وهذا الذي يقوله أوشو هنا يتفق معه كارل بوبر الإنجليزي الذي تنسب إليه فلسفة العلم، فهو أيضاً يرى في علم النفس ذات الصفات التي يوردها أوشو، لكن هنا عدة نقاط مهمة، على صعيد تاريخ التجربة الروحية للشرق، والنظر إلى تاريخ الشرق بإنصاف، وليس بمسح وحذف وإقصاء كما تفعل الدوائر العالمثالثية اليوم أو بعض الدوائر الغربية، وما يقوله أوشو هنا عن تجربة التصوف الشرقية يتفق معه أشهر المتخصصين في التصوف كالألمانية آنا ماري شيمل وكالمصري نصر حامد أبو زيد، وهنا نقطة تفكير علينا كشرقيين أن نعيد موضعتها في مركز تجربتنا المعاصرة، منطقة ما فوق العقل، وهي منطقة تشدد عليها فلسفات شرقية كثيرة من الطاو الصينية إلى التجارب الصوفية الإسلامية للبسطامي والحلاج وابن الفارض وجلال الدين الرومي، فهناك ما هو فوق العقل، وهو المركز الحقيقي للإنسان، وأنا معجب كثيراً بتحليلات يونغ، ولأوشو الحق في أن يستغرب من ما فعله يونغ في الهند ورفضه لمقابلة أشهر صوفي هندي في عصره، لأن الكثير من تحليلات يونغ تصب، عكس فرويد، في تحليل النفس الجمعية ومحاولة فهمها، والتفكير فيها، ابتداءاً من تحليل نتائج كتاب الغصن الذهبي وانتهاءاً بتحليل شخصيات الكتاب المقدس، أي المناطق الروحية الإنسانية ككل، فما الذي يمنع يونغ من التعرف عن كثب على تجربة شرقية في مجال الروح؟ إن لم يكن ما قاله أوشو صائباً، التحليل النفسي خائف ومتردد ويقف على منطقة رمال متحركة.

    ردحذف
  5. النوايا والقدرات الذهنية الخاصة "الخارقة"، هي أمور شخصية فردية ذاتية، لا يعلم حقيقتها إلا أصحابها، وحتى أصحابها لا يمكنهم التأكد منها إلا عبر نتائجها اللاحقة، لذلك لا يحق لأحد الطعن بنوايا وقدرات الآخرين، تمامًا كما أنه ليس من الصواب الجزم بنزاهة وقدرات الآخرين، وهذا الأمر ينطبق على أوشو بالطبع ..
    عند الحديث عن شخص فريد في قدراته وما يحمله من أفكار إلى درجة وصفه بأنه رسول، فإن الفيصل في هذا الأمر يمكن تلخيصه في خمس نقاط أساسية – من وجهة نظري: 1- ينبغي عدم التعميم، فمهما يكن الشخص الموصوف بالرسول، فإنه يتوجب عليه وعلى من يُروجون له الإقرار والتنبيه بأنه ليس رسولًا لكل البشر، لأنه ببساطة لا يمكن له ولا لأتباعه إيصال رسالته وفكرته لكل البشر الحاضرين وإقناعهم بها جميعًا وتمكينهم من فهمها واستيعابها وتطبيقها، وأسباب ذلك أكثر وأوضح من أن تُذكر ، ولا ذنب للبشر في ذلك، حيث لم يختر أي من البشر جنسه ولا جنسيته ولا لغته ولا ظروفه المادية والاجتماعية ولا مقدرته العقلية ولا تحصيله اللغوي والعلمي وغيرها ..
    2- موت إنسان واحد دون أن يعلم برسالة أي رسول، يعني أن ذلك الرسول ليس رسولًا لكل البشر، أو أنه ليس مرسولًا من جهة تتحكم بكل شيء في الكون، وذلك ينطبق على كل الرُسُل باعتبار وجود بشر ماتوا قبل ظهور كل رسول ..
    3- الاعتقاد حيال شخص ما بأنه رسول (سماوي أو إلهي أو كوني، ..الخ)، ثم موت ذلك الرسول قبل أن يتمكن من تبليغ رسالته لكل البشر في زمنه، يعني ذلك أن الاعتقاد كان برسول فاشل أو رسالة فاشلة أو راسل فاشل ..
    4- الرسالة المرسلة لكل البشر لا بد أن تتصف بقبول كل البشر لها فطريًا، وتتصف بقدرتهم على فهمها والاقتناع بها بداهةً، وتنفيذها بسهولة ودون الحاجة لمساعدة من بشر آخرين، فحاجة أي رسالة إلى مرشدين أو معلمين أو فقهاء - بعد موت رسولها – يعني ذلك وجود ثغرة للخطأ والانحراف والاستغلال، حيث إنه لا يوجد بشر معصومون ..
    5- كل الرُسُل - بدون استثناء - لم يذكروا شيئًا مفهومًا ويمكن التحقق منه، حول ماهية وهوية من أرسلهم، فبينما المفترض بديهيًا أن ينحصر النقاش مع أي رسول حول شخصه هو - فيما إذا كان رسولًا فعلًا أم كاذبًا أم واهمًا، في حين يكون الراسل معلومًا ولا خلاف حوله بين كل البشر، إلا أن الواقع خلاف ذلك، حيث إن الاتفاق حول هوية أو ماهية أو حقيقة الراسل كان دائمًا الأساس المفقود في كل رسالة وعند كل رسول ..

    .. الخلاصة : المفكرون أو الفلاسفة أو الحكماء أو الرُسُل ..الخ، المشهود لهم بالمقدرة الفكرية وبتوظيفهم لها في السعي إلى خير البشرية عمومًا أو إلى خلاص الأفراد ..، - الصحيح والواقعي – من وجهة نظري المتواضعة - أن يتم وصفهم بأنهم ظواهر بشرية طبيعية حتمية، تفرزها ظروف معينة، - لم تخلو منهم حقبة تاريخية - فيستفيد من هذه الظواهر بعض البشر، وبالإمكان أن يستفيد منها عدد أكبر من البشر، لكن يستحيل أن يستفيد منها كل البشر؛ .. وأما وصف أي من هذه الظواهر بأنها رسول ورسالة موجهة لكل البشر، فهو إنما يعكس شدة انبهار البعض بها؛ .. وقطعًا ليس بين تلك الظواهر أو أولئك الحكماء من يصح وصفه بأنه الأخير الذي ليس بعده - إلا إذا تزامن ظهوره مع انتهاء الحياة البشرية على الأرض - وحتى في هذه الحال سيكون الأمر مجرد تزامن ظاهرة أرضية مع دورة كونية، لا أكثر ولا أقل ..

    ردحذف
  6. لماذا لم يتطرق احد الى التصوف الحقيقي وهو الحب الخالص الى الخالق وهل التأمل والعبادة والدعاء والرجاء من صاحب الملك واله الدنيا وما فيها يحلو من دون خلوة وتصوف وعزلة
    رحماك يا ربي

    ردحذف
  7. من مدة ننتظر المزيد من المقالات التي تعانق الروعة

    ردحذف
  8. معلومات جميلة !! لا أستطيع الانتظار إلى رسالتك التالية!
    تعليق بواسطة: muhammad solehuddin
    تحيات من اندونيسيا

    ردحذف