الانتحار في دفاتر إميل سيوران
Cahiers: 1957-1972
الجزء الثاني و الأخير
أولُ شَذرة في هذا الجُزء الأَخير كُتِبت بِتاريخ -13 يناير 1968- أي بعَد أزْيَد من 8 سنوات من كتابةِ أول شَذرةٍ في الُجزء الأول (كُتِبت بِتاريخ -2 غشت 1957-)، و الشذرات كما جرت العَادة مُرتّبة زمنياً من الأقدم للأحدث.
تَقسيم الأجزاءِ لَم يَتِم إِلاّ لِكَثرةِ الفقرات التي تَحَدَّثَ فيها إميل سيوران عن الانتحار، و هو اختيار المترجم و ليس اختيار سيوران أَو ما شابه. و مَع ذَلك نُلاحِظ نُضجَ فِكرة الانتحار أكثرَ في هذا الجزءِ الثاني.
ملحوظة : من أجل الوصول للجزء الأول اضغط هنا
توقعتُ أنني سأتخلصُ من فكرةِ الانتحارِ فقط
بالحديثِ عنه. لكنَ الأمرَ ليسَ بهذهِ البساطة. لا نتخلصُ منَ الانتحارِ إلا
بالخرفِ أو بتغييرِ المعتقد، أي بانبهارٍ دائم.
***
غريزةُ البقاء – إنها واقع؛ لكن أيضًا في
كثيرٍ منَ الأحيان لا يوجدُ سوى خيطٍ واحدٍ يربطنا بالحياة، و هذا الخيطُ يُقطع. ما
يفسرُ صعوبةَ الانتحار و سهولته، أحيانًا لا يمكنني تصوره، و أحيانًا أخرى يبدو لي
مغريًا و لا يمكنني مقاومته.
أستطيعُ تفهمَ أن يقتلَ المرُء نفسهُ لأنهُ موجود، لكن أن يقتلَ نفسهُ بسببِ فشل، يعني بسببِ رأيِ الآخرين، هذا ما يتجاوز قدرتي على الفهم تمامًا: و تقريبًا كلُّ حالاتِ الانتحار تنطلقُ منَ الإحساسِ بالفشل. ستبصقُ البشريةُ كلّها في وجهي، أنا أفهم هذا. لكنني لن آخذَ نتائجها كتقييم. لن يكون بصاقهم حتى دافعًا لأستبين درجةَ تفاهتي.
كلما تقدمتَ، وجدتَ أنهُ لا توجدُ مبرراتٌ للحياةِ و لا حتى للموت. لنعشْ و نمُتْ في العبثيةِ الخالصة إذن.
أستطيعُ تفهمَ أن يقتلَ المرُء نفسهُ لأنهُ موجود، لكن أن يقتلَ نفسهُ بسببِ فشل، يعني بسببِ رأيِ الآخرين، هذا ما يتجاوز قدرتي على الفهم تمامًا: و تقريبًا كلُّ حالاتِ الانتحار تنطلقُ منَ الإحساسِ بالفشل. ستبصقُ البشريةُ كلّها في وجهي، أنا أفهم هذا. لكنني لن آخذَ نتائجها كتقييم. لن يكون بصاقهم حتى دافعًا لأستبين درجةَ تفاهتي.
كلما تقدمتَ، وجدتَ أنهُ لا توجدُ مبرراتٌ للحياةِ و لا حتى للموت. لنعشْ و نمُتْ في العبثيةِ الخالصة إذن.
الحياةُ هي التي تتخلصُ منا و لسنا نحنُ
الذين نتخلصُ منها، إنها تنفصلُ عنا شيئًا فشيئًا و نلاحظُ أننا نعيشُ فيها.
في أيِّ لحظةٍ يبدأُ الإنسانُ بالعيش؟ هذا هو السؤالُ الذي علينا طرحه، و هو أهمُ سؤالٍ لأيِّ شخصٍ كان...
في أيِّ لحظةٍ يبدأُ الإنسانُ بالعيش؟ هذا هو السؤالُ الذي علينا طرحه، و هو أهمُ سؤالٍ لأيِّ شخصٍ كان...
***
الانتحارُ الحقيقي غيرُ مرتبطٍ بالفشل بل
بالإحساسِ بأنهُ لا يوجدُ أيُّ مخرجٍ في أيِّ شكلٍ منْ أشكالِ العالم.
***
الانتحارُ هو الفعلُ الأكثرُ طبيعيةً الذي
يمكننا القيامُ به. إليهُ يجبُ أن تقودَ كلُّ أفكارنا و إليهِ يجبُ أن تنتهي جميعُ
مساراتنا. يجبُ أن يعوضَ النهايةً غيرَ المرغوبةِ و المهينة. وكلُّ يختارُ ساعةَ
نهايته.
***
أحلمُ باليومِ الذي يصيرُ فيهِ الانتحارُ
واجبًا و ليسَ مجردَ غواية.
***
(20 يونيو 1968) يجبُ أن أعيدَ التفكيرَ في
مشكلةِ الانتحار: إذْ يبدو لي أنني أهملتُ جوانبهُ الأكثرَ إثارة. بإمكاني أن أفهمَ
هذا الآنَ حيثُ إنني لاحظتُ أنهُ في الصيفِ فقط يمكنني أن أحسَ أنني جاهزٌ لأجيبَ
على إشكالٍ كهذا. هل هي الحرارة؟ هل هو الضوء؟ لقد حثتني الشمسُ دائمًا على إعادةِ
التفكيرِ بالعالمِ و أشعلتْ داخلي نوباتِ قلقٍ لا تطاق. يمنعني ظلامي منَ الانسجامِ معَ الإشراقِ
المحيط. التصادمُ بين ما أحسُ و أرى يولدُ هذا المزاجَ السيئ و كلَّ ما ينتجُ عنه.
***
الولعُ بالانتحار.
الانتحارُ هو مسألةُ فقدانِ الصبر. القرفُ منَ انتظارِ الموت. بعضُ الصبرِ قد يحلُ الأمر، طبعًا. لكن أن تتحدثَ عنِ الصبرِ لمولوع...
الانتحارُ هو مسألةُ فقدانِ الصبر. القرفُ منَ انتظارِ الموت. بعضُ الصبرِ قد يحلُ الأمر، طبعًا. لكن أن تتحدثَ عنِ الصبرِ لمولوع...
***
يجبُ على الانتحار أن يكونَ مسألةَ ملائمةٍ و
لياقة، شرفٍ بورجوازيّ.
***
الانتحارُ كنهاية ٍمنطقيةٍ لكلِّ شيء، لا
يبقى لنا غيرهُ منْ ملاذٍ سوى اللاعقلانية.
في العشرينات، يبدو الانتحارُ كفكرةٍ مزعجةٍ
و غنائية. بعد هذا تصيرُ أكثرَ وضوحًا و جفافًا : إنها تبدو حتميةً شيئًا فشيئًا،
و لا نفهمُ كيفَ بدتْ لنا قبلَ هذا غريبة. يتغيرُ الوجودُ اعتبارًا منَ اللحظةِ
التي يبدو فيها الانتحارُ فعلاُ عاديًا.
لماذا أفكرُ كثيرًا في الانتحار؟ لأنني ما إن
أعودَ لما قبل ماضيّ، أو أذهبَ لما بعد وفاتي، لا أكاد أجدُ معنىً للحادثِ التافهِ
بينَ هاتينِ الفترتين.
***
إذا كان الإنسانُ يفرضُ على نفسهِ الإيمانَ
بأشياءَ معينة، فهذا فقط لكي لا يقتلَ نفسه. لأن الانتحارَهو النتيجةُ المنطقيةُ
لحقيقةِ أن لا شيءَ يصمدُ أمامَ تحليلٍ صارم، أو تفكيرٍ قاس.
منَ الغريبِ جدًا أن أكونَ قد تحدثتُ بهذا القدرِ عنِ الانتحار، أنا الذي أحبُّ الحياةَ كأيِّ شخصٍ آخر، بل أكثر من أيِّ شخصٍ آخر...
منَ الغريبِ جدًا أن أكونَ قد تحدثتُ بهذا القدرِ عنِ الانتحار، أنا الذي أحبُّ الحياةَ كأيِّ شخصٍ آخر، بل أكثر من أيِّ شخصٍ آخر...
منَ المؤكدِ أن الانتحارَ عملٌ أكثرَ بساطةً
بالنسبةِ لمن لا يكادُ يتحدثُ عنهُ أكثرَ ممن لا يتوقفُ عنِ التفكيرِ فيه: تنفيذُ
الانتحارِ عملٌ عنيف، سريعٌ و يتطلبُ قرارًا فوريًا و تقريبًا دونَ تفكير. ذلك
الذي لم يسبقْ لهُ الانشغالُ بالانتحار،ما أن يشعرَ بنفسهِ مدفوعًا للانتحار، لن
يجَد أيَّ دفاعٍ ضدَ هذا الدفع: سيكونُ مفتونًا، مثقلاً، معميًا و مغلوبًا بظهوِرِ مخرجٍ نهائيٍّ أخيرًا، لم يكنْ قد فكرَ بإيجادهِ منْ قبل. بينما الآخرُ –الذي يفكرُ
بالانتحار- يستطيعُ دائمًا أن يؤخرً فعلاً لطالما مرّ بدماغه، ولا يحملُ بالنسبةِ
له أيّ جديد. فعلٌ يعرفهُ تمامًا و يستطيعُ أن يتملصَ منهُ ببرود، إن لم يتخلصْ
منهُ نهائيًا.
أن تفكرَ يعني أن تأجلَ أن لا تتحرك، أن...
أن تفكرَ يعني أن تأجلَ أن لا تتحرك، أن...
***
حينَ نَضيعُ في غموضِ الحياة، يلوحُ الانتحار
كحد، كعلامةٍ نهتدي بها، كيقينٍ و واقعٍ إيجابي.
***
أخبرتُ (د) على الهاتفِ أن على المرءِ الانتحارُ في الخامسةِ و الثلاثين، أنه لا ينبغي تجاوزها، إذْ بعدها نظهرُ في حالةٍ يرثى لها
جسديًا. لا ينبغي أن نقبلَ مبدأَ الشيخوخة، بل يجبُ أن نرفضَ حتى فكرةَ التجاعيد.
هذا الصباح فكرتُ مجددًا في الاحتمالاتِ التي
يمنحها الانتحار، فتجاوزتُ غضبي بسرعة.
***
منَ المدهشِ كم يبدو الانتحارُ فعلا ًعاديًا
جدًا في منتصفِ ليلةٍ بيضاء.
***
يأسٌ بلا داع، دونَ وعي الخيبة، دونَ أيِّ
إحساسٍ بالسقوط، يأسٌ صافٍ، و منْ جديدٍ يظهرُ اليقينُ المحزنُ بأنَّ الانتحارَ هو
المخرجُ الوحيد، العزاءُ الوحيد، البابُ الأكبر. المرورُ للجهةِ الأخرى عنْ طريقِ
تجاوزِ الموت.
***
الربيعُ و الانتحارُ يبدوانِ لي كمفهومينِ
مترابطتين. لأنَّ الربيعَ يشكلُ فكرةً لم أنضجْ عليها، أو لأكونَ أكثرَ دقةً لم
تدخلْ لأعماقي بعد.
***
تصوري للانتحارهو بسيطٌ للغاية: إنّهُ المخرجُ
الوحيد، إذا أردنا الحديثَ عنِ العمق. أما على السطح، فنستطيع التسوية، التميز،
الغشَ أو الكتابة.
على السطحِ توجدُ عدةُ مخارجَ مؤقتة، مفيدةٌ لكن دونَ إضافة.
على السطحِ توجدُ عدةُ مخارجَ مؤقتة، مفيدةٌ لكن دونَ إضافة.
***
الانتحار: أن نموتَ قبلَ الموت.
الساهدُ هو بالضرورةِ مُنَظِّرُ انتحار.
***
منذُ أن كتبتُ و نشرتُ نصيَّ حولَ الانتحار،
فقدتُ الكثيرُ منْ اهتمامي به. ما يثبتُ أن كوني كاتبًا ليس أمرًا بهذا السوء.
أن تكتبَ عنِ الانتحارِ يعني أنْ تتجاوزه.
لماذا يشكلُ الانتحارُ حلاً؟ لأنهُ الجوابُ
الوحيدُ عنْ ولادةٍ لم نخترها، ردُ فعلٍ شخصيٍّ على فعلٍ لم نقمْ به. الانتحارُ هو
الانتقامُ الأكبرُ منَ الأنا.
***
لم أعدْ أفكرُ في الانتحار، إذْ يبدو لي الآنَ
أمرًا طبيعيًا و مقبولاً. قبلَ هذا كانتْ فكرتي حولهُ مصحوبةً ببعضِ المرارة. لكن
ليسَ بعدَ الآن. لقد صارتْ فكرتي حولهُ واضحة، و صارَ هو منَ الأشياءِ التي ننسى
أن نقومَ بها.
انفصلتُ عنِ الانتحارِ لأنني تجاوزتُ البحثَ عنْ حل.
***
أُسمي حالةَ اكتئابٍ كلَّ حالةٍ تنتجُ عشوائيًا عنْ أفكارِِ قتلٍ أو انتحار.
الاكتئابُ هو حالةُ انتحارٍ أو جريمةُ قتلٍ غير مُتحققة.
***
النومُ كحدثٍ هو رئيسيٌ جدًا و يحملُ الكثيرَ
منَ المعنى، إذْ إنَّ أغلبَ حالاتِ الانتحار سببُها الأرق.
***
على العزّاب أن يحتكروا الانتحارَ لأنفسهم.
ترجمة وإعداد: Achraf Nihilista
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفعلى العزاب أن يحتكروا الانتحار لأنفسهم؟! 🙊
ردحذفالانتحار يستوطنني
ردحذفI was here once!
ردحذفI’m here again the same person but different soul!!
I have dark gloomy fear for everything
أفكر في الأنتحار لأني اخاف من المستقبل ، أخاف تكرار الفواجع التي حدثت في الماضي ، لأن الحياة ماهي إلا سلسلة من الكوارث ولم اعد أستطيع التعايش مع الألم يا ألهي لو كنت موجود وتسمعني خذني إليك . هذا جل ما أطلبه
ردحذف