الجمعة، 18 أبريل 2014

مختصر التحلل -6- إميل سيوران






مختصر التحلل -6




إميل سيوران








اِسْتِقالَة


فِي غُرفَةِ ٱنْتِظارِ العِيادَة، كَانتِ ٱمرَأةٌ عَجُوز تُحَدثنِي عنْ أمرَاضِها . . . فِي تَعَابيرِ عيْنَيهَا بدَا كلُ مَا يَتَقاتَلُ علَيْهِ البَشَر، وَ كلُ مَا فِي التَارِيخِ مِنْ أعَاصِيرَ مُجَردَ تَفاهَاتٍ، أمرَاضُها وَحْدهَا كَانَت تَقِفُ بشُمُوخِ الإنْتصَارِ فَوقَ الزَمَانِ وَ المَكَان. " لاَ أسْتَطِيعُ أنْ آكُل، لاَ أسْتَطِيعُ أنْ أنَام، أنَا خَائِفَة، لاَ بُدَ أنَ هُناكَ دَمل مُتَقيحْ هُنَا "، وَ بَدَأت تُداعِبُ فَكَهَا بٱهتِمَامٍ بَالِغ كأنَ مَصِيرَ العَالمِ مُتَوقِفٌ علَيْهِ. لِلْوَهلَةِ الأولَى تَرَكنِي ذَلِكَ الإهْتِمامُ المُفرِطُ بالنَفْسِ لِعَجُوزٍ شَمْطاءَ بَالِيّة مُمَزقاً بيْنَ الجَزعِ وَ الإشْمِئزَاز؛ ثُمَ غَادَرتُ العِيَادَةَ قبْلَ أنْ يَحِينَ دَورِي عَاقِداً العَزْمَ علَى إزَاحَةِ جَمِيعِ المُنَغصاتِ وَ الإنْزِعاجَاتِ مِنْ دَاخِلِي إلَى الأبَد . . .

تِسْعٌ وَ خَمْسُونَ ثَانِيّةً مِن كُلِ دَقِيقَة، ظَلَلتُ مُنْهمِكاً فِي التَفْكيرِ أثْنَاءَ تَجْوالِي فِي الشَوَارِع، مُسْتغرِقاً فِي المُعَاناةِ أوْ فِي- فِكرَةِ المُعَاناة. آهٍ لَوْ كنْتُ حجَراً، القَلْبُ ! : مَنْشَأُ كُلِّ عَذَاب . . . إنَّنِي أصْبُو إلَى الشَيْء، إلَى بَرَكةِ المَادَة وَ الرُكُودِ وَ الظُلْمَة. طَنِينُ البَعوضَةِ يُمَثِلُ بالنِسْبَةِ لِي إعلاَنَ كَارِثَة. أنْ تُغَادِرَ ذَاتَكَ ؛ تِلْكَ خَطِيئَة، الرِيَاح : إخْتِلالُ الهَوَاء !، المُوسِيقَى : جنُونُ الصَمْت ! بٱسْتِسلاَمِهِ لِقِوَى الطَبِيعَة ؛ فَإِنَ هذَا العَالَم قَدْ خانَ العَدَمْ . . . أنَا أسْتَقيلُ مِنَ الحرَكَة وَ مِنْ أحْلاَمِي. أيُهَا الغِيَاب ! سَتَكونُ مَجْدِيَ الأوْحَد . . . إلاَّ فَلْتزَع "الرَغْبة" إلَى الأَبَد مِنَ القَامُوس، وَ مِنَ الرُوحْ !. أنَا أنْسَحِبُ مِنَ المَهازِل المُدَوِخَة لِلغَدِ. وَ إِذَا كنْتُ مَا أزَالُ قَابضًا علَى بَعْضِ الآمَال، فَإنَّنِي إلَى الأبَد أضَعتُ القُدرَةَ علَى أنْ آمَل.





جرَائِمُ الشَجاعَةِ وَ الخَوفْ

أنْ تَكُونَ خائِفاً يعْنِي أنْ تُفكِرَ فِيْ نَفسِكَ بٱسْتِمرَار، أنْ لاَ تَكُونَ قَادِراً علَى رُؤيَةِ أوْ حتَى تَصوُرِ أيِ مَسارٍ أوْ وَاقعيَّةٍ لِلأَحْداثِ خَارِجَ ذَاتِك. ٱسْتِشعارُكَ بالسُوء، تَحسُساتُكَ بقُدومِه، تَفْترِضُ عَالماً خَالِياً مِنَ الأَخطَارِ المُحَايدَة. الإنسَانُ المَذعُور هُوَ ضحيَّةُ ذَاتِيّةٍ مُفْرِطَة - يَعتقِدُ أنَهُ هدَفٌ لِعدَائِيّةِ الأَحدَاث أكثَرَ بكَثِيرٍ مِنْ سَائِرِ أبنَاءِ جنْسِه. إنَهُ يَلْتقِي معَ الإنسَانِ الشُجَاع فِي هذَا الضَلالْ، وَ الذِي مِنْ النَاحيَّةِ المُعاكِسَة يَرَى الحَصانَةَ فِي كُلِ مَكَان. كِلاهُمَا قَدْ بَلَغَ مَرْحلَةً قُصوَى مِنَ الوَعيِ المُفْتتَنِ بالذَات : بالنِسبَةِ لِلأوَلِ فَإِنَ كُلَ شيْءٍ يتَآمرُ علَيْهِ، وَ بالنِسبَةِ لِلثَانِي فَكلُ شيْءٍ مُلائِمٌ وَ حَسنْ. ( الإنسَانُ الشُجَاع مُجَردُ مُتَبجِحْ يُعَانِقُ الخطَر، شخْصٌ يَهْربُ إلَى الخطَر ). يَضَعُ الأوَلُ نَفْسهُ فِي مَرْكزِ الكوْنِ علَى نَحوٍ هدَام بيْنَما يَضعُهَا الآخَرُ يَضعُهَا علَى نَحوٍ فَعَال، لَكِنَ وَهْمهَا وَاحِد، تَلْتقِي مَعرِفَتُهمَا عِنْدَ نُقطَةِ الإنْحرَافِ نَفْسِها ( الخطَر هُوَ الوَاقِعُ الوَحِيد). يَخافُهُ الأوَل، الثَانِي يَسْعَى وَرَاءهُ، ليْسَ بوِسْعهِمَا أنْ يُلاحِظَا الإزْدِراءَ اللاَمُبَالِي لِلأشْيَاء، كِلاهُمَا يُحِيلانِ كُلَ شيْءٍ إلَى ذَواتِهِمْ، كِلاهُمَا ضَحِيّةُ إثَارَةٍ مُفْرِطَة ( وَ كُلُ الشُرُورِ فِي هذَا العالَم منْبعُهَا الإثَارةُ الزَائِدَة، الخَيَالاتُ النَشِطَة لِكُلٍ مِنَ الشَجاعَةِ وَ الجُبْن ). وَ هَكذَا فَإِنَ هَاذيْنِ العَامِلانِ المُتَنافِرَان وَ المُتَماثِلاَن هُمَا وُكلاَءُ كُلِ مَشاكِلنَا، مُعَرقِلاً سيْرَ الزمَن، إنَهُمَا يُضفِيَانِ شيْئاً مِنَ الأهَمِيَّةِ علَى أتفَهِ الأحْدَاث، وَ يُسْقِطانِ نَوايَاهُمَا المَحمُومَة علَى كَونٍ - وَ الذِي هُوَ مِنْ دُونِ أنْ يَهجُرَ بلاَدتَهُ المُقَزِزَة - مُخْزٍ وَ لاَ يُطَاق. الشَجاعَةُ وَ الخَوْف إسْمَانِ مُخْتلِفَانِ لِمَرضٍ وَاحِد، وَ الذِي يَظهَرُ عِندَ إعطَاءِ الحيَاةِ أهَمِيّةً بَالِغَة وَ أخذِهَا بجدِيَّة. . .إنَّهُ الإفْتِقارُ لِلْمرَارَةِ اللاَمُبالِيَّة، مَا يُحَوِلُ الرِجَالَ إلَى وُحوشٍ مُتَعصِبَة، أمْكَرُ وَ أفْظَعُ الجَرائِم مُرتَكبُوهَا هُم دَوْماً أولَئِكَ الذِينَ يَأخُذونَ الحيَاةَ بجِدِيَّة. وَحْدَهُ المُولَعُ بالفُنُونْ لاَ يَسْتهوِيهِ مَذَاقُ الدِمَاء، وَحْدَهُ ليْسَ وَغْداً.



من: Précis de décomposition



ترجمةShiva Okleh

تدقيق لغوي وتشكيل : Mohammed Daamach


هناك تعليق واحد: