الجمعة، 26 أبريل 2013

عدو النبي/سيوران



مختصر التحلل 8



عدو النبي

-إميل سيوران







في كل إنسان ينام نبي؛ وعندما يستيقظ يكون الشر قد ازداد قليلا في العالم . . .
الحاجة اللاواعية للوعظ متجذرة في دواخلنا، بحيث إنها تنبثق من أعماق مجهولة نحو غريزة حماية الذات. كل منا ينتظر لحظته المناسبة ليبتدع شيئاً- أي شيء. يناديه صوت : هذا يكفي، إنه يكلفنا كثيراً ألاّ نكون صماً وبكماً.
من المغرورين حتى الزباليين، الجميع مستغرقون في كرمهم الوحشي، في توزيع صيغ للسعادة.  الجميع يريد أن يعطي الإرشادات: وعليه الحياة العامة لا تحتمل، و الحياة مع الذات تضل كذلك أيضاً، إذا فشلت في حشر نفسك شؤون الآخرين؛ فلن تعرف الاستقرار في حياتك الخاصة.  تحول ذاتك إلى"دين"،أو إلى رسول في الاتجاه المعاكس إلى أن تنكرهما معا-نحن ضحايا لعبة كونية-. . .
وفرة الحلول المعروضة لتمظهرات الوجود لا يميز بينها إلا بمدى سخافتها. التاريخ: مصنع للأفكار... مثيولوجيا مختلة، سُعار الحشود والمعتكفين... رفض لمواجه الواقع وجهاً لوجه، عطش بشري للخيال.

 محرك جميع أعمالنا يمكن في تلك الحاجة لإجلال نفوسنا باعتبارها مركز الكون ومحركه، نهاية التاريخ.
ردود أفعالنا وطريقة استجابتنا لكبريائنا، تحول الكوكب إلى جزء لا يتجزأ من جسدنا ومن وعينا بما نحن عليه. لو كان لدينا الوعي الصحيح بمكانتنا في العالم، لو وعيناها دون فصلها عن مجمل الحياة ككل؛ فإن انكشافَ حضورنا التافه كفيلٌ بسحقنا. لكن أن نعيش يعني أن نعمي عيوننا على أبعاد وجودنا.
لو أن جميع أفعالنا من التنفس إلى تأسيس الإمبراطوريات أو النُظم الميتافيزقية، لو أنها لم تنطلق من وهم عظمتنا وأهميتنا، ومن باب أولى، من غريزة النبوءة، من كان ليتقدم برؤية شاملة مستمدة من بطلانه، من كان ليتقدم ليكون مؤثراً، وليجعل من نفسه مُخلصاً؟.

نوستالجيا إلى عالم بلا "مثاليات"، إلى عذاب بلا مذهب، إلى أبدية بدون حياة. . . -الفردوس -. . . لكننا لا نستطيع أن نوجد لحظة واحدة بدون أن نخدع نفوسنا: النبي في كل واحد منا هو بذرة الجنون التي تدفعنا إلى الإشراق والتمرغ في بطلاننا.

المثاليات مغرية؛ لذا فهي تبدو طبيعية،  لكن على الإنسان ألاّ يبحث عن ملجأ خارج اللاشيء القابع بداخله . . . أستطيع أن أتصوره يقول: مُنسلخاً عن الهدف، عن جميع الأهداف، من رغباتي ومن سخطي أبقيت على الصيغ فحسب. مقاوماً لإغراء الخلاصة ،انتصرت على العقل، كما أنني انتصرت على الحياة نفسها برهبة من يبحث لها عن جواب. المسرحية الإنسانية- يالها من قيء! الحُب- تبادل لُعاب... جميع المشاعر تنهل حليبها من بؤس الغُدد. النُبل هو فقط  في رفض الوجود، في ابتسامة تُطالع المساحات الممحوقة . منذ أن صار لي "نفسا"؛ لم أعد أكثر من موضوع للوجود ... ألتهم بنهم جميع المُسكنات التي تمنحني إياها العزلة، والتي هي أضعف من أن تجعلني أنسى العالم. بعد قتلي لكل الأنبياء بداخلي؛ كيف يمكن أن يظل لي مكان بين الرجال؟.



ترجمة/شيفا


هناك 3 تعليقات:

  1. صباح الخير, من هو شيفا؟ :)

    ردحذف
  2. ابداع ابداع هذه المدونه تحياتي الى الامام اخي

    ردحذف
  3. لا تبخلّ علينا من فرناندو بيسوا، وفريدرك نيتشة ' شكراً كبيرة على كلّ زلزال تُحدثه هنا '

    ردحذف