التعاليم الرئيسة للغورو نِسَاْرْغَدَاتَا مَهَرَاْجْ - Nisargadatta Maharaj
"أنا مفتونٌ بالفلسفةِ الهِنديَّة، إذْ إنَّها تهدفُ بالأساسِ إلى تجاوزِ الأنا؛ وكلُّ ما أفعله وأفكِّرُ فيه يتمحورُ حول أنايَ وعذاباتِ الأنا." ــــ إميل سيوران
|
نسارغداتا مهراج |
إنَّ فَهْمَ"الأنا"، حِسَّكَ "بالوجود" أو مجرَّد "الحضور" أمرٌ بالغُ الأهميّةِ؛ حيث تتوقفُ عليه نتيجةُ التّعاليمِ كلِّها.
ينبغي أن "توجدَ" أنتَ قبل أنْ يمكن لأيِّ شيءٍ آخرَ أنْ يوجد، حِسُّكَ "بالحضور" أو الشّعور "أنا" لازمٌ لأيٍ شيءٍ عليه أن يتبعه.
ألمْ يكنْ هذا الإحساس بالوجود، أو الشُّعور "أنا" أولَ واقعةٍ وحدثٍ قبلَ أن يمكن لأيٍّ مِنْ تجاربك الحياتية أن تقع؟
استعملْ ذِهنك، عُدْ بالزّمنِ وحاولِ استحضارَ أولَ لحظةٍ وقعتَ فيها على معرفة "أنّك موجود" أو"أنا". هذه "الأنا" الوليدة ليستِ لُغويّة أو لا-لفظيّة.
ما تزال هذه الأنا هناك معك، حاضرةً دومًا، متوفرةً دومًا، كانتْ ولمْ تزلِ الخاطرةَ الأولى، ارفضْ كلَّ الخواطرِالأخرى وعدْ إلى هناك وابقَ هناك.
رسِّخْ نفسكَ بحزمٍ في "الأنا" وارفضْ كلَّ ما لا يتطابقُ معها.
عندما ترحلُ "الأنا" فإنَّ كلَّ ما يبقى هو المطلق، لذا أعطِ كلَّ اهتمامكَ "للأنا".
وحدها "الأنا" أكيدةٌ، إنّها مجرَّدة، كلُّ المعرفةِ تتبعُ منها، إنّها الجَّذر، تمسَّكْ بها ودعْ كلَّ شيءٍ آخر.
إنَّ "الأنا" مجموعُ كلِّ ما تدركه، إنَها مرتبطةٌ بالزَّمن، "الأنا" نفسُها وهم، أنت لستَ "الأنا"، أنتَ سابقٌ عليها.
لقد ظهرَ الشُّعورُ "أنا" أو "الكينونة" نتيجةً لارتباطه بالجَّسد- العقل. في الواقع أنتَ لستَ أيًّا من منهما. أنت اللامولود.
تمسَّكْ فقط "بـالأنا" أو "الكينونة"؛ لأنّها ستقودكَ يومًا ما إلى اللاوجود أو اللاولادة.
الخلودُ هو الحرُّيَّةُ مِنَ الشُّعور "أنا"، لتنال الحريَّةَ ابقَ في الحسِّ "أنا".
"الأنا" هي بدايةُ ونهايةُ المعرفة، كنْ يقظًا "للأنا"، ما إنْ تعيها مرَّةً حتى تنفصلَ عنها.
علیك أن تتأملَ "الأنا"، بدونِ أنْ تتمسَّك بالجَّسد- العقل. "الأنا" هي الجهالة الأولى، ثابرْ عليها وسوف تتخطاها.
مرشدكَ وإلهكَ هما "الأنا"، بقدومها ظهرتِ الثُنائيِّةُ وكلُّ النَّشاطات، ابقَ في "الأنا"، أنتَ سابقٌ على وجودِ "الأنا".
ابقَ مركزًا على "الأنا" إلى أنْ يطويَها النِِّسيان. هناك تكمنُ الأبديَّةُ والمطلق، البَارابَراهْمَن.
"البارابراهمن" (المطلق) حالتُكَ الأبديَة، لا يمكنكَ تذكُّره لأنّكَ لم تنسه قطّ.
فقط تذكَّرِ المعرفةَ "أنا" ودعَكَ من سواها، ببقائك في "الأنا" ستدركُ أنّها غيرُ حقيقيَّة.
افهمْ أنَّ المعرفةَ "أنا" قد خطرتْ لك، وأنَ كلَّ شيءٍ تجلٍّ لها، بهذا الفهمِ ستدركُ أنّكَ لستَ "الأنا".
كمثلِ ثُقبٍ في ورقةٍ هو المطلق، داخلها لكنّه لا يستندُ إليها. في مركزِ الوعي تمامًا، لكنّه ما وراءَ الوعي.
الحالةُ المطلقةُ هي صمتٌ وسكونٌ تامَيْن، يختفي كلُّ مَنْ يذهبُ إلى هناك.
عندما يرحلُ مفهوم "الأنا"، لن تبقى هناك ذاكرةُ "كنتُ أنا"، أنّه كانتْ "لي" تلك التجارب، سوف تحذفُ الذَّاكرُُةُ نفسُها.
بدأَ الزَّمنُ مع مجيءِ المفهومِ الأوليِّ "أنا"، وسينتهي مع رحيله. أنتَ الّذي أنتَ لمطلق لستَ المفهوم الأوليِّ "أنا."
الظهورُ والاختفاءُ، الولادةُ والموتُ خصائصُ "للـأنا"، إنّها لا تخصكَ أنتَ المطلقَ.
مِنَ اللاشيءِ انبثقتِ "الأنا" أو الكينونة، لا وجودَ للشَّخص، المعرفة "أنا"- و ليس الشَّخص- هي مَنْ عليها العودةُ إلى مصدرها.
بتأمُّلِ المعرفةِ "أنا"، فإنّها تستقرُّ في مصدرها تدريجيًا؛ وعندها تلوحُ أنتَ المطلق.
استمرَّ في تقصيكَ لتعرفَ "الأنا" بدون كلام، عليك أن تكونها وألاّ تحيدَ عنها ولو لحظة، وعندها سوف تتلاشى.
استقرَّ في المفهوم الأوليِّ "أنا" لكي تَفْتَكَ منه وتحررَّ من كلِّ المفاهيم. عبرَ فهمِ لا واقعيّة "الأنا" ستتحرَّرُّ منها بشكلٍ كامل.
حينَ تجلسُ بهدوءٍ وتتوحَّدَ مع "الأنا"، ستفقدُ كلَّ اهتمامٍ بالعالَم، وحينها ستذهبُ "الأنا" بدورها، تاركةً إيّاكَ في حالةِ المطلق.
حينَ تدعُ كلِّ شيءٍ وترسَخُ في الأنا، وبينما تمضي في هذا التّمرين، سوف تقودكَ العمليةُ إلى السُّموِ فوقَ "الأنا."
جوهرُ الوعي نفسِه هو الخاصيّةُ "أنا"، لا وجودَ لشخصيّةٍ أو شخصٍ هناك، استقرَّ هناك واسْمُ فوقَها.
ابقَ مركزًا على "الأنا" إلى أن تصبح شاهدًا عليها، عندها تَنتحى جانبًا؛ فلقد بلغتَ الأسمى.
عندما تبقى في "الأنا" ستكتشفُ أنَّ كلَّ ما عدا ذلك عديمُ الجدوى، ومِنْ ثَمَّ تصيرُ أنتَ البارابراهمن، المطلَق.
ذاك الّذي يبقى مواظبًا على المبدإِ الّذي يعرفُ به "الأنا"، يعرفُ كلَّ شيءٍ ولا يحتاجُ إلى شيء.
فقط اجلسْ واعرفْ أنَّكَ "الأنا" بدون كلمات، لا حاجةَ لفعلِ شيءٍ آخر. سوف تهتدي بعد فترةٍ وجيزةٍ إلى حالتكَ الطبيعيّةَ المطلقة.
عليكَ أنْ تدركَ أنََكَ لستَ الجَّسدَ أو خاطرةَ "أنا"، أنتَ –وأنتَ مطلق- لستَ أيّاً منهما ولستَ تحتاجهما.
المطلق أو البارابراهْمَنْ سابقٌ على "الأنا"، إنَّه الحالةُ اللامولودة؛ أنَّى له إذنْ أنْ يمتلكَ أو يحتاجَ خاطرةَ "أنا."
عليكَ أن تسمو فوق "الأنا" لتدخلَ حالةَ البَارابَراهْمَن الخاليةِ مِنَ المفاهيم، حيث لا تعود تعرف حتى أناك!
ذاكَ الّذي أدركَ خاطرةَ "أنا"، أيْ أنّه تجاوزها كذلك، بالنّسبة إليه ليس ثمة ولادةٌ أو موتٌ ولا عاقبةُ أفعال.
تحدثُ الشَّهادةُ في الحالةِ التي تسبقُ قولكَ كلمة "أنا"، هنا والآن، أنتَ المطلقُ والبارابراهمن، تشبَّثْ "بالأنا" بكلٍّ جوارحك، ابقَ ثابتًا فيها على الدوام ولسوف تتلاشى، ثمَّ تصبح ما أنتَ عليه.
أنتَ لستَ "الأنا" ولا نشاطاتِها، أنتَ- وأنتَ مطلق- لستَ أيَّا منهما، كنْ مكرسًا حقيقيًّا للحقيقةِ عبرَ ملازمةِ خاطرةِ "الأنا"، وبالتالي؛ السُّموُ فوقَ تجربةِ الموتِ لنيلِ الخلود.
ما الّذي يفهم الخاطرةَ "أنا" في داخلكَ بدونِ اسمٍ أوعنوانٍ أو كلمة؟ غُصْ في ذلك المركزِ الأوغلِ واشهَدْ على خاطرةِ "أنا."
اقبلِ الخاطرةَ "أنا" ذاتًا بشكلٍ تامٍ وباقتناعٍ كاملٍ. آمنْ بحزمٍ بالقولٍ المأثور: "أنا ذاك الّذي أعرفُ بهِ أنّني أنا."
تثبثْ بالخاطرةِ "أنا" وسوف يتجلى الإدراكُ أنّني "أنا" المطلق لستُ الخاصيّة "أنا."
دعكَ مِنْ كلِّ شيءٍ إلاّ البقاءُ في خاطرةِ "الأنا"، المُولومَايا، أو الوهم الأوليّ، وحینها ستحرركَ مِنْ قبضتها الخانقةِ وتَغْرُب.
خلال التأمُّلِ العميق، الموَّجهِ على الخاطرة "أنا" حصرًا، سيُكشفُ لكَ حدسيًّا كيف جاءت هذه "الأنا" إلى الوجود.
للتخلُّصِ من حسِّ الجَّسد- عقل، أو الهُويَّة، اسكنِ "الأنا" و تشرَّبها. لاحقًا ستتحدُ "الأنا" مع الحالةِ المطلقة.
عندما تحيطُ بالخاطرةِ "أنا" وتفهمُها، ابقَ هناك في خلوةٍ ولا تسرحْ هنا أو هناك. ما إنْ تثبتَ في "الأنا" حتى تكتشفَ أنَها ليستِ الحالةَ الأبديَّة، لكنّك "أنت" أبديٌّ وأزليّ.
التعليمُ بسيطٌ، عندما تبزغُ "الأنا"، يظهرُ كلَّ شيءٍ، عندما تأفلُ يختفي كلُّ شيءٍ. مِنْ مطلقك، والّذي هو بدونِ هيئةٍ أو شكلٍ، أتتْ هذه الخاطرةُ "أنا"، والّتي هي أيضًا بدون هيئةٍ أو شكلٍ.
لقد طرأتْ هذه الخاطرة، "أنا"، بعفويةٍ على حالتكَ المطلقة؛ وبالتالي فهي وهم. الشُّعور "أنا" نفسُه وهم؛ وبالتالي فأنَّ كلَّ ما يُری من خلالِ هذا الوهم لا يمكن أن يكون حقيقيًّا.
حينَ تتأملُ الخاطرةَ "أنا"، الّتي هي بداية المعرفة، كيف يمكن أن يكون هناك أيّةُ أسئلة؟ ليستْ هُويَّةَ أنا الجَّسد ما يجبُ أن يكون موضوعَ تأملك إنَها الخاطرة "أنا" هي التي تتأمَّلُ نفسَها.
كلُّ ما عليكَ فعله هو أن تعرِّف نفسك بالخاطرةِ المُقيمةِ "أنا." هذا كلُّ شيءٍ. اجلسْ للتأمُّل معرفًا نفسكَ "بالأنا"، أقمْ مع "الأنا" وحدها- لا مع مجرَّد كلمة "أنا."
انسَ كلَّ شيءٍ حيالَ قواعدِ الانضباطِ الجسديِّ في هذا الارتباط وكنْ مع الخاطرة "أنا" فحسب. عندما تثبتُ في "الأنا" ليس ثمة أفكارٌ أو كلمات.
إنَّها "الأنا" الّتي تتقصى حول "الأنا"، وعند إدراكها لبطلانها تختفي وتتَّحدُ بالأبديَّة.
برفقةِ الخاطرةِ "أنا" يظهرُ الفضاءُ والعالَم. عندما ترحلُ الخاطرةُ "أنا" سينقضي العالَم.
علَّمني الغورو ما "أنا"، وعكفتُ عليه. حالتي الأصليَّة هي أنْ أكون في تلك الحالةِ حيث لا "أنا".
تشبَّثْ "بالأنا" وستتبدَّدُ كلُّ العقبات، سوف تغدو ما وراءَ مملكةِ الجَّسد-عقل.
يمكن "للـأنا" في هيئةِ الجَّسدِ أن تبلغَ الحالةَ الأسمى فقط لو فهمتها وتقبلتها وأقمتَ فيها، حينها تفلتُ منَ الولادةِ والموت.
لا يمكن لهُويَّةِ الجَّسد أن تبلغَ هذه المعرفة، على المعرفة "أنا" أن تبلغَ هذه المعرفة؛ حين تقيمُ المعرفةُ في المعرفة يحدث السُّمو فوق المعرفة.
"للأنا" نفوذٌ عظيم، ما مِنْ تمظهرٍ إلاّ هو منبثق عنها. عندما تسكنُ "الأنا" بوصفها قدركَ ستدركُ أنَّ قدركَ ليس الموتُ بل اختفاءُ "الأنا".
اذهبْ إلى حالةِ "الأنا"، ابقَ هناك، اندمجْ واذهبْ إلى الماوراء. لو مكثتَ في "الأنا" ولذتَ بها بحزمٍ، لخسرتِ كلُّ الأشياءِ الخارجيِّةِ استحواذها عليك.
أنتَ الحقيقة ماوراء "الأنا"، أنتَ البارابراهمن. تأمل هذا وتذكره. ستتركَ هذه الفكرة أيضًا في النِّهاية. افهمِ "الأنا"، اسْمُ فوقها وأدركِ المطلق.
دَعْكَ مِنْ كلِّ الأسئلةِ إلاّ واحدًا: مَنْ أنا؟
حينَ أنظرُ داخليْ وأرى أنَّني لا شيء؛ فهذه هي الحكمة. حينَ أنظرُ خارجي وأرى أنّني كلُّ شيءٍ؛ هذا هو الحُبّ. وبينهما تتقلَّبُ حياتي.