الخميس، 10 سبتمبر 2015

رسالة حول بعض المآزق- سيوران


نص من كتاب "غواية الوجود - "La tentation d'exister" لإميل سيوران.




من اليمين إلى اليسار: ميرسيا إلياد و يوجين يونيسكو وإميل سيوران




لطالما اعتقدتُ يا صديقي العزيز، أنّك بحُبكَ لمُقاطعتِكَ لمْ تكن تمارسُ سوى تمرينٍ في التّحلّل والكرهِ والصّمتِ. ولا أستطيعُ أنْ أصِفَ انعدامَ المفاجأةِ الذي استقبلتُ فيه خبرَ أنّكَ تحضِّرُ كتابًا عنها! مباشرةً، رُسِمتْ في مخيِّلتي صورةَ الوحشِ الذي ستصيره: أعني الكاتِبَ الذي ستصيره. "شخصٌ آخرُ ضَيَّعَ الطريق" هكذا فكَّرت. لعلّكَ لم تسألني عنْ أسبابِ خيبتي هذِه خجلاً؛ وحتى أنا ما كنتُ لأستطيعَ البوحَ بها بصوتٍ عالٍ. "شخصٌ آخرُ ضلَّ الطَّريق، شخصٌ آخر دَمِّرته موهبته." هكذا ردَّدْتُ في نفسي دونَ توقف.


باقتحامِكَ للجحيمِ الأدبيّ؛ ستتعرفُ على أوهامهُ وسمّه؛ مطرودًا منَ الآني بنسخةٍ مُشَوّهةٍ عنْ نفسك؛ لن تخوضَ سوى تجاربَ معروفةٍ ومشبوهةٍ؛ سيغمى عليكَ في الكلمةِ. ستصيرُ الكتبُ موضوعَ جميِعِ محادثاتك. وبالنّسبةِ للأدباءِ، فلن تنالَ منهم أيَّ شيءٍ يذكر. ولن تدركَ هذا حتى تُضَيِّعَ أجملَ سنواتكَ في مجالٍ بلا أيِّ عمقٍ أو محتوى.

الأديبُ؟ إنّه مدَّعٍ يحُطُ منْ قيمةِ مآسيهِ بكشفها والرجوعِ إليها دونَ توقّفٍ. المجُونُ -عرضُ أفكارهِ الخفيّة- هو قاعدتهُ؛ إنّه يهبُ نفسه. كلُّ شكلٍ من أشكالِ الموهبةِ لا بدَّ أنْ يكونَ مصحوبًا ببعضِ الغطرسةِ والاستعراض، لا يُستثنى منْ هذه القاعدةِ إلا العقيم، ذلكَ النّبيُّ الذي يطمسُ نفسهُ وسرّهُ؛ إذ إنّه يهملُ فكرةَ كشفِ سرِّه: المشاعرُ المكشوفةُ هي معاناةٌ معروضةٌ للسُّخريةِ، صفعةٌ في حقِّ روحِ الدُّعابةِ. احتفاظُ المرءِ بسرِّهِ حتمًا صفقةٌ ناجحة له؛ لأنَّ السرَّ يسيطرُ عليكَ، ينخركَ منَ الأعماقِ ويهدِّدُك. حتى حينَ يكونُ موجَّهًا لله، يشكِّلُ الاعترافُ اغتيالاً لنفوسنا وللنّوابضِ الأساسيةِ لكينونتنا.

القلقُ، العارُ، الفزَعُ وكلُّ الحالاتِ التي تسعى مختلفُ الطّرقِ الدينيَّة -والدنيئة بشكلٍ عام- لتخليصنا منها، تشكِّلُ تراثًا لا ينبغي أنْ نتخلّى عنهُ مقابلَ أيِّ ثمن. علينا أنْ نُحصِنَ نفوسنا ضدَّ أولئك الذين يسعونَ لشفائِنا. علينا أنْ نحافِظَ على آلامنا وأخطائنا حتى لو كلّفنا هذا حياتنا. 
كرسيُّ الاعترافِ: انتهاكٌ باسمِ السَّماءِ لعقولٍ خطَّاءةٍ. والانتهاكُ الآخرُ يتكفلُ به التحليلُ النفسيّ!
بعدَ علمَنَتِهِ وتَعْهِيْرِهِ، سيشيدُ كرسيُّ الاعترافِ ذاتَ يومٍ عندَ كلِّ ملتقى طرقٍ: لا ينقصنا سوى المزيدِ منَ المخطئينَ حتى يسعى الجميعُ لينالَ روحًا مفضوحةً على ملصقٍ عموميّ.



ترجمة: Achraf Nihilista




هناك تعليق واحد: