الاثنين، 11 أغسطس 2014

قطط..كُتّاب وصور

















لا يعتبر الوقت الذي نقضيه برفقة القطط ضائعًا أبدًا.
-سيجموند فرويد




قططتي


 تشالرز بوكوفسكي

-ترجمة مع بعض التصرف


أعرِف. أعرِف.
إنهنَّ محدودات، لديهنَّ اهتماماتٌ واحتياجات
أخرى.

إلا أنني أراقبهنَّ وأتعلمُ منهنّ.
يعجبني القدرُ القليل الذي يعرفنه،
والذي هو كثيرٌ جدًا.

يتذمرنّ، لكنهن أبدًا خالياتِ البال،
يسرنَّ بمهابةٍ مُدهشة.
ينمنَّ ببساطة، بعفوية لا يستطيع البشر فهمها.

عيونهن أجملُ من عيوننا.
بوسعهنَّ النوم لـ عشرين ساعةً في اليوم
بلا أيِّ ترددٍ أو نَدَم. 

حين أشعرُ بفتورٍ في همتي،
ما عليَّ سوى مراقبةُ قططي
وأستردُ شجاعتي.

أنا أدرسُ هذهِ الكائنات.

إنهنَّ معلماتي.






-جاك كيرواك





-ألن جينسبرغ









-إرنست همانغوي









-تشارلز بوكوفسكي







-سلفيا بلاث








-فيليب دك











-جورج أورويل








-جورج برنارد شو












-ألدوس هسكلي








-دوريس ليسنغ









-سارتر











-أندريه جيد












-جاك دريدا







-ميشيل فوكو









-ل.ف. سيلين








-جاك لاكان










-يوكيو مشيما








-هاروكي موراكامي









-خورخه بورخيس







-خوليو كوتاثار









- بلاديمير لينين


الثلاثاء، 29 يوليو 2014

من دفاتر/مذكرات إميل سيوران 1957-1972


من دفاتر/مذكرات إميل سيوران 1957-1972

Cahiers:1957-1972










زِيَارَات، زِيَارَات.. إنَهُم يَفْترِسُونَنِي، يَمْتصُونَ دَمِي، لاَ يُوجدُ حَلٌ سِوَى إزَالةِ الهَاتِف أوْ مُغَادرَةِ بَارِيسْ. -أبْنَاءُ وَطنِي يَجُرونَنِي لِلخَلْف، لِأصُولِي، لِكُل شَيْءٍ أدَرتُ لهُ ظَهْرِي. لمْ أعُد أرِيدُ تَذَكُرَ أيِ شَيْء. إلَى الجَحِيم أيُهَا المَاضِي، أيَتُها الطُفُولَة، وَ كُلُ شَيْء!- لاَ نُغادِرُ لِأنَنَا أرَدْنَا الهَرَب، أنَا مَتْبُوعٌ بِأشْبَاحَ غيْرَ مُرَوضَةٍ مِنْ سَنَواتِي الأولَى.



هَلْ تَشْتغِل؟ - نَعمْ، علَى مَقالٍ حوْلَ الإنْتِحَار." هَذَا الجَوابُ يَقْطعُ لدَى النَّاسِ كُلَ رَغْبَةٍ لِلْمَعرِفَةِ أكْثَر.



التَعِيسُونَ أكثَرُ الأشْخَاصِ أنَانِيَّةً، لِأنَهُم وَ بخِلَافِ كَثِيرٍ مِنَ السَعِيدِين، لاَ يَسْتطِيعُونَ التَفْكِيرَ إلاَ فِي أنْفُسهِم. لَقدْ سيْطَرت عَليْهِمُ التَعاسَةُ التِي يَتْركُونَ مِنْ أجْلِهَا كُلَ البَاقِي. فَقطْ حِينَ تَقِلُ مُعَانَاتُهمْ يَعُودُ بِإمْكانِهِم التَفْكِيرُ فِي مُعَاناةِ الآخَرِينَ وَ التَعاطُفِ مَعَهُم. الكَرَمُ ليْسَ كَمَا نَعْتقِد مِيزَةَ الذِينَ يُعَانُون؛ يُمكِنُ أنْ يَكُونَ أحْياناً مِيْزَةَ أولَئِكَ الذِينَ عَانَوا فِي المَاضِي، وَ لَكِن حتَى هذَا ليْسَ أكِيداً.



لاَ شَيْءَ يُثِيرُ سَخَطِي أكْثَر مِنْ فَيْلسُوفٍ أوْ نَاقِدٍ يُذَكِرُكَ فِي كُلِ صَفْحةٍ أنَ طَرِيقَتَهُ ثَوْرِيَّة، وَ أنَ مَا يَقُولهُ مُهِمٌ، وَ أنَ مَا قَالهُ لمْ يَسْبقهُ إليْهِ أحَدٌ... إلَخ كَمَا لوْ أنَ القَارِئَ لاَ يَسْتطِيعُ الشُعورَ بِهَذا مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِهِ ! دُونَ ذِكرِ أنَ إبدَاعاً يُمكِنُ لِلْمُبدِعِ إدْرَاكهُ يَحْمِل شيْئًا مَا غيْرَ لاَئِق. الإبْدَاعُ يَجِبُ أنْ يَتِمَ إدْرَاكهُ مِنَ الآخَرِينْ، ليْسَ مِنَ المُبْدِعِ نَفْسِه.



نِيتْشِه يُرهِقُنِي، ضَجَرِي مِنْهُ أحْيَاناً يُحَاذِي القَرَفْ. لاَ يُمكِنُ قُبُولُ مُفَكرٍ تُناقِضُ مِثَالِيَتُهُ مَا كَانَ فِعْلِيَا عَليْهِ. هُنَاكَ شيْءٌ مُثِيرٌ لِلْٱشْمِئْزَازِ لَدَى الضَعِيفِ الذِي يَدَعِي القُوَة، لَدَى الضَعِيفِ بِلاَ رَحْمة. هَذَا كُلُهُ يَصْلحُ لِلْمُراهِقِينَ فَقَطْ.


فِي كِتَابٍ قَدِيمٍ لِعِلْمِ النَفْس يُمَيِزُ الكَاتِبُ بيْنَ المَلَلِ المُكْتسَب وَ المَلَلِ الفِطْريّ. يَبْدُو أنَ مَلَلِي فِطْريّ، لَقدْ شَعرْتُ بِالمَلَلِ فِي بَطْنِ أمِّي.



لَقدْ غَيَرْتُ رَأيِي بِالجَمِيع، مَا عدَا شِكْسبِير، دُوسْتُويفِسْكِي وَ بَاخْ. بيْنَ هَؤُلاءِ الثَلاَثَة، المُفضَلُ لدَيَ هُوَ بَاخْ. يُمْكِنُ أنْ نَقُولَ عنْهُ : هَذَا الرَجُل لاَ يَخْذُلكَ أبَدًا.



الغيْرَة هِيَ أحَدُ أكْثَرِ المَشَاعِرِ طَبِيعيَّةً وَ كوْنِيَّة، حتَى القِدِيسُونَ كَانُوا يَغَارُونَ فِيمَا بيْنَهُم. يُمكِنُ ٱفْتِراضُ رَجُلَيْنِ يَقُومَانِ بنَفْسِ العَمَلِ أعْدَاء. الكَاتِبُ أيْضًا يُمْكِنُ أنْ يُفَضِلَ مُصَارِعَ ثِيرَانٍ علَى كَاتِبٍ آخَر.





أثْنَاءَ الكِتابَة، عَليْنَا التَفْكِيرُ بِعذَاباتِ القَارِئِ وَ المُتَرجِم، التَفْكيرُ فِي هذَا الأخِير خُصوصًا كَفِيلٌ بِجَعلِ الكَاتِبِ مُسْتعِداً لِأيِ تَضحِيَّةٍ لِكيْ يَكُونَ وَاضِحاً وَ مَفْهُومًا.



لاَ يوجَدُ أيُ كَاتبٍ يَسْتطِيعُ تَحمُلَ أقلَ تَعْدِيلٍ علَى مَا يَفْعلُهُ، إنَهُ يَمْلِكُ مَا يَكْفِي مِنَ الشُكوكِ حوْلَ نَفْسِهِ بِحيْثُ لاَ يَسْتطِيعُ تَحَمُلَ الشُكوكِ التِي يُضْمِرُهَا الآخَرُونَ لَه.




الوَيْلُ لِذَاكَ الرَجُلِ الذِي بَعْدَ أنْ تَرَكَتْهُ الآلِهَة، لمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ مَلاذٍ سِوَى كِبْرِيَائِه.




فِي هَذِهِ اللَحْظَةِ بِالتَحْدِيد، وَ فِي كُلِ مَكَانٍ فِي العَالم، آلاَفُ البَشَرِ يَحْتضِرُون، بيْنَما أنَا، مُمْسِكاً قَلَمِي، لاَ أجِدُ كَلِمَةً وَاحِدَةً لِلتَعْلِيقِ علَى ٱحْتِضارِهِم.




كُلُ الكِبْرِيَاءِ ينْدَثرُ أمَامَ المَرَضْ. المَرَضُ هُوَ الذِي يُذَكِرُكَ بِمَكانَتِكَ، بِحَقيقَتِكَ، وَ هُوَ مَا يَهْدِمُ كُلَ إدِعَاءاتِكَ، إنَهُ إذْلاَلٌ مُسْتِمر. أنْ تَكُونَ مَرِيضاً هُوَ كَأنْ تَكُونَ هُنَاكَ قُوةٌ خَفِيَّةٌ تَصْفَعُكَ دُونَ تَوقُفٍ.




أحَدهُمْ عَرَفَ الحُزْنَ علَى أنَّهُ : "نَوْعٌ مِنَ الأَفُولِ يَتْلُو الألَم".



مَا يَجْعلُ المَاضِي جَدِيراً بِالإهْتِمَام، هُوَ ٱخْتِلافُ رُؤيَتِهِ مِنْ جِيلٍ لِآخَرَ، مِنْ هُنَا التَجْدِيدُ الدَائِمُ لِلتَّارِيخْ.



كُلَمَا ٱزْدَادَتْ أوْهَامُنَا ٱمْتَلكْنَا مِنَ الشَجَاعَةِ أكْثَر. الشَجَاعَةُ لاَ تُلَائِمُ فِطْنَةَ كَبِيرَة.



مَرَرْتُ قُرْبَ مَقْبَرة 'مُونْبَارنَاس وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي : يَظَلُّ المَوْتُ رَغْمَ كُلِ شيْءٍ حَدَثاً قَلِيلَ التَفَاهَةِ.



أَكبَرُ مَشَاعِرِ الكُرْهِ أكُنُهَا لِأولَئِكَ الذِينَ يَسْخَرُونَ مِنَ الإنْتِحَارِ جَرَاءَ الحُب، لِأَنَّهُم عَاجِزُونَ عَنْ فَهْمِ أنَ حُباً غيْرَ مُتَحَقِقٍ هُوَ بِالنِسْبَةِ لِلْعَاشِقِ، ٱسْتِحَالَةُ تَعْرِيفِ وُجُودِهِ، خَسَارَةٌ كَامِلَة لِذَاتِهِ. الحُبُ الكَامِلُ الذِي لاَ مَجَالَ لِتَحْقِيقِهِ لاَ يَقُودُ سِوَى لِلإِنْهِيَار.



مِنْ غيْرِ المَعْقُولِ كمْ يَغْدُو الإنْتِحَارُ أكْثَرَ الأفْعَالِ طَبِيعِيَّةً فِي مُنْتَصَفِ لَيْلَةٍ بَيْضَاء.




قَرَأتُ لِلتَوِّ أنَ 'لِينِينْ كانَ يُعَانِي الأَرَقْ. الآنْ أسْتَطِيعُ فَهْمَ غُلُوَهِ أكْثَر، هَوَاجِسِهِ وَ تَعَصُبِه.



الخَوْفُ مِنَ العُقْمِ يَدْفَعُ الكَاتِبَ إلَى أنْ يُنْتِجَ فَوْقَ طَاقَتِهِ، وَ أنْ يُضِيفَ إلَى الأكَاذِيبِ المُعِيشَة أكَاذِيبَ أُخْرَى لاَ تُحْصَى يَسْتَلِفُهَا أوْ يَخْتَلِقُهَا ٱخْتِلاَقاً. تَحْتَ كُلِ كَلِمَةِ "أعْمَالٌ كَامِلَة" يَقْبَعُ دَجَال.



لاَ أمِيلُ لِلْكِتَابَةِ إلاَ فِي لَحظَاتِ الشغَفِ، وَ أنَا أهْرُبُ مِنْ هَذِهِ اللَحَظَات. إصْرَارِي علَى اللاَمُبَالاَة يَنْزِلُ بِي إلَى العُقْم.




أكْبَرُ خَطَأ يُمْكِنُ أنْ يَقَعَ بِهِ كَاتِبٌ هُوَ أنْ يُصَرِحَ أنَهُ غيْرُ مَشْهُورٍ. لَدَيْنَا الحَقُ فِي الشَكْوَى كَإِنْسَان، لَكِنْ ليْسَ كَكَاتِبٍ.




لَقَدْ تَوَقَفَ عَنِ الكِتَابَةٍ : لَم يَعُدْ لَدَيِهِ شَيْءٌ يُخفِيه.




ترجمة: Achraf Nihilista

تدقيق لغوي وتشكيل: Mohammed Daamach











الأحد، 1 يونيو 2014

مختصر التحلل-10- إميل سيوران



مختصر التحلل-10-



إميل سيوران










مَصادِر تَدْمِير الذَات وُلِدْنَا فِي سِجن، وَ الأصفَادُ تُحِيطُ بِسَواعِدنَا وَ أفْكارِنَا، وَ مَا كُنَا قَادِرينَ علَى تَحمُلِ يَومٍ وَاحدٍ لَوْلاَ أنَ إمكَانِيَة أنْ يَنْتهِي كلُ هذَا تَحْثنَا علَى أنْ نَبْدأَ كُلَ يَومٍ مِنْ جَدِيد.. القُضبَانُ الفُولاذِيَّةُ وَ الهوَاءُ الخَانِقُ لِهذَا العَالَم يُجَردَانِنا مِنْ كُلِ شيْء باسْتِثنَاءِ الحُريَة لِأنْ نَقتُلَ أنْفُسنَا ؛ وَ هذِهِ الحُريَة تُزَوِدنَا بِالقُوَة وَ الإبَاءِ اللاَزِم لِمُواجهَةِ الحُمولَة الهَائِلَة مِنَ الأعْبَاءِ التِي تَسْحقُنا. أهُنَاكَ هِبَةٌ أشَدُ تَحْيِيرًا مِنْ أنْ نَكُونَ قَادِرينَ علَى أنْ نَفْعلَ بِأنْفُسِنا مَا نَشَاء وَ نَرفُض ؟ تَعزِيَةُ أنْفُسِنا بِٱنْتِحارٍ مُحْتمَل تَجْعلُ مِنْ مَوطِءِ أقْدَامِنا الضَيِق -حيْثُ نَخْتنِق- مِساحَات لاَ مَحْدودَة. الفِكْرةُ الحَاضِرَة لِتَدمِيرِ أنْفُسِنا، وَفْرةُ الوسَائِلِ اللاَزِمةُ لِذَلِك، سُهولَةُ ٱسْتِخدَامُها وَ تَوافُرهَا، تَمْلأُنَا بالإرْتيَاحِ وَ الرُعْب فِي آنٍ وَاحِد ؛ إذْ لاَ شيْءَ يَجْمعُ بيْنَ البَساطَةِ وَ الهَوْل مِثْل ذَلِكَ الفِعْل الذِي نَحْكمُ بهِ علَى أنْفُسِنا حُكمًا لاَ رِجعَةَ فِيه. فِي ثَانِيَةٍ وَاحِدَة نَتَخلَصُ مِنْ جَمِيعِ الثَوانِي ؛ وَ هُوَ أمرٌ لاَ يَقْدِرُ عَليْهِ اللهُ نَفسُه. لَكِننَا نُرْجِئُ نِهَايَتنَا كَشَياطِينَ مُتَبجِحَة : كيْفَ أمْكنَنَا التَخلِي عنِ الإظْهَارِ الوَحِيد لِحُريَتِنا، الإسْتِعرَاضُ الأكبَر لِكبْرِيائِنا ؟
الإنْسانُ الذِي لَمْ يَسْبِق أنْ تَصوَرَ فَنَاءَهُ أبدًا، لُجوءُهُ المُحْتمَلُ إلَى الحَبْل، الرَصاصَة، السُم، أوِ البَحْر، هُوَ عبدٌ مُنْحَط لاَ يَصْلحُ سِوَى لِلتَجْدِيفِ علَى سَفِينَةٍ أوْ مُجَردُ دُودَةٍ تَحبُو علَى جِيفَةِ الكَوْن. يُمْكِنُ لِهَذَا العَالَمِ أنْ يَأخُدَ مِنَا كُلَ شَيْء، أنْ يحْظُرَ عَليْنَا كُلَ شيْء، لَكِن ليْسَت هُناكَ قُوَةٌ قَادِرَة علَى أنْ تَمْنعَنَا مِنْ شَطْبِ أنْفُسِنَا. كُلُ الأدَواتِ تَعْرِضُ عَليْنَا مُسَاعَدتَهَا، ليْسَ هُنَاكَ مِنْ هَاوِيَّةٍ إلاَ وَ تَدْعُونَا إلَى جَوْفِهَا، وَ لَكِنْ غَرائِزُنا تَتأَمَرُ لِتَمنَعنَا مِنَ الإسْتِجابَةِ، وَ هَذَا التَعارَضُ بيْنَ الغَرَائِزِ وَ الصَوْتِ الدَاخِلِيّ يُفَاقِمُ فِي العَقْلِ نِزَاعًا مُستَعصِيًا علَى الحَل. حِينَ نَبْدأُ نَتأمَلُ الحيَاة، لِنَكتشِفَ فِيهَا خَواءً لاَ مُتَناهٍ ؛ تَكونُ غَرائِزُنا قَدْ أصْبحَت مُرْشِدَ وَ عرَابَ أفْعَالِنا، تُعَرقِلُ تَحْلِيقَ إلْهامِنَا وَ تَكبَحُ إنْقِيَادَ الرُوحِ إلَى المُغادَرَةِ. لوْ كُنَا فِي لَحْظَةِ الوِلَادَةِ مُدْرِكينَ كمَا نَحْنُ فِي نِهايَّةِ سِنِ المُراهَقَة، لَكَانَ مِنَ المُرَجَحِ أنَ الإنْتِحارَ فِي عُمْرِ الخَامِسَة ظَاهِرَةٌ عَادِيَة.. أوْ مَسْألَةُ شَرَف. لَكِننَا نَسْتيْقِظُ مُتَأخِرِين، نَجِدُ أمَامَنا السَنَواتِ التِي تُغَذِينَا فِيهَا علَى إرْشَادَاتِ الغَرائِز وَحْدهَا، وَ التِي لاَ يُمكِنُ تَخْدِيرُهَا إلاَ بِالخُلاصَاتِ التِي تَقُودُنَا إِلَيْهَا تَأمُلاتُنَا وَ خَيْباتُنَا، وَ التِي تَظَلُ تُلِحُ عَليْنَا بِلاَ تَوَقُف، وَ بِتَحصِيلِنَا لِلْوَعيِّ بحُرِيَتِنا ؛ نُصْبِحُ أسَاتِذَةً فِي مُقَاوَمةِ إغْرَاءِ الإسْتِخدَامِ لِوَرقَتِنَا الرَابِحَة. إنَّهَا تَجْعلُنَا نَتَحمَلُ الأيَامَ - وَ مَا هُوَ أهَم (اللَيَالِي)، لاَ نَعُودُ فُقَراءَ أوْ مَسْحوقِينَ فِي مِحْنَة : نَمْتلِكُ المَصادِرَ العُلْيَا. وَ حتَى حِينَ لاَ نَسْتغِلُهَا أبَداً، حِينَ نَفْطِسُ بِالطَرِيقَةِ الإعْتِيادِيَّةِ فَلقَدْ كانَ لَديْنَا كَنْزاً قَابِعاً خَلْفَ كُلِ تَنازُلٍ : مَا هِيَ الثَرْوَةُ التِي تُضَاهِي الإنْتِحارَ الذِي يَحمِلُهُ كلٌ مِنَا فِي دَاخِلِهِ ؟ إِذَا كَانَتِ الدِيانَاتُ قدْ حَظَرتْ عَليْنَا أنْ نَمُوتَ بِأيْدِينا ؛ فَلأنَهَا لَحَظَت فِي مِثْلِ تِلْكَ المُمَارسَاتِ نَمُوذَجًا لِلْعِصيَانِ المُهِينِ لِسُلطَةِ المَعابِدِ وَ الآلِهَة علَى السَوَاء. ٱعْتبَرَ مَجلِسُ أورْلِيانْ' الإنْتِحارَ جَرِيمَةً أشَدَّ مِنَ القَتْلِ، علَى ٱعْتِبارِ أنَ المُجْرِمَ بِوِسْعِهِ دَومًا أنْ يَتُوب، أن يُخَلَص، بَيْنمَا المُنْتحِرُ الذِي قَضَى علَى نَفْسهِ بِيَديْهِ قَدْ فاتَهُ الخَلاَص نِهَائِيًا. وَ لَكِنَ الإنْتِحارَ أيضًا يَشْتمِلُ علَى صِيغَةِ خَلاَصٍ رَادِكَالِيَة، أوَليْسَ العَدمُ يُضَاهِي أبَدِيَتَهُم ؟ الفَردُ المُنزَوِي ليْسَ بِحَاجةٍ لِأنْ يُعْلِنَ حربًا علَى الكَوْن، إنَهُ يُوجِهُ تَهْدِيدَهُ إلَى نَفْسِهِ. لَمْ يَعُد يَطْمحُ إلَى أنْ يُوجَدَ إلَى الأبَدِ، وَ هلْ بِٱقتِرَافِهِ ذَلِكَ الفِعْلِ الذِي لاَ يُضَاهَى سِوَى نَفْسهُ فِي مُوَاجهَةِ نَفْسِهِ ؟ إنَهُ يَرْفضُ الجنَّةَ وَ الدُنْيا كَمَا يَرْفضُ نَفْسَهُ. وَ فِي النِهَايَّةِ فَهُوَ قَدْ نَالَ أعْلَى مَراتِبِ الحُرِيَّةِ المُتَعذِرَةِ علَى الإنْسَانِ الذِي مَا زَالَ يُفَتِشُ عنْهَا فِي مَزْبلَةِ المُسْتقبَل.. لِحَدِ الآن لَمْ تَفْلح أيَةُ كَنِيسَةٍ أوْ أيَةُ مُؤَسَسَةٍ حَضارِيَة فِي تَقْديمِ حُجَةٍ مُحْترَمَة وَاحِدَة ضِدَ الإنْتِحار. أيُ جَوابٍ يُمكِنُ تَقْدِيمُهُ لِإنْسَانٍ لمْ يَعُد قَادِرًا علَى تَحمُلِ الحيَاة ؟ لاَ أحَدَ مُخَوَلٌ بِأنْ يَأخُذَ أعْبَاءَ الآخَرِ علَى عَاتِقِهِ. ثُمَ أيَةُ قُدْرةٍ يَملِكُهَا الجَدَلُ أمَامَ هَجمَاتِ اليَأسِ المَسْعُورَة وَ أمَامَ ألُوفِ الجِرَاحِ النَازِفَة وَ الأعصَابِ المُنْهكَة ؟ الإنْتِحَار هُوَ وَاحِدَةٌ مِنْ أهَمِ الخَصائِصِ المُمَيزَةِ لِلإنْسَان، أهَمُ ٱكْتِشافَاتِهِ، مِنَ الصَعْبِ علَى الحيَوانَاتِ أنْ تَجارِيَهُ فِيهْ، وَ المَلائِكَةُ رُبَما لمْ تَسْمع عنْ وُجُودِه. بِدُونِ الإنْتِحار سَيَغْدو المَشْهدُ الإِنْسَانِيُ أقَلَ جَاذِبيَّةً وَ أقلَ حَيَوِيَة، وَ لَكانَ يَنْقصُنَا شيْءٌ مِنْ مُنَاخٍ شَاذْ وَ سِلْسِلَةٍ مِنَ التَحدِيَاتِ المُمِيتَة تُضْفِي قِيَمًا جَمالِيَةً علَى عَالَمِنا ؛ لوْ أنَ ٱسْتِحضارَ التْرَاجِيديَا وَحْدهُ يَضْمنُ حُلُولاً جَدِيدَة وَ تَنْوِيعًا فِي الحِبكَاتِ وَ الخَواتِيمْ. حُكَماءُ العُصورِ القَدِيمَة، أولَئِكَ الذِينَ أقْبَلوا علَى المَوْتِ كَدَلِيلٍ علَى نُضْجهِم، أسَسُوا نِظامًا وَ آدابًا لِلإنْتِحار يَجْهلُهَا أبْنَاءُ العَالمِ الحَدِيث. مَلْعونُونَ بعَذابٍ قَاتِم مُشِلّ، لمْ نَعُد مُؤَلفِي ذُرْواتِنَا وَ لاَ كَلِمةَ لَنَا فِي وَداعِنَا الآخِير ؛ نِهَايتُنَا لمْ تَعُد نِهَايتَنَا، يَعُوزُنا ٱمْتِيازُ حِسِ المُبادَرَةِ الفَرِيد - وَ الذِي قدْ يُمَكِنُنا مِنَ التَضْحِية بِحيَاةٍ ذَابِلةٍ وَ عَدِيمَةِ الطَعم، كَما نَفْتقِرُ أيضًا إلَى الكَلْبِيَةِ النَبِيلَة، العَظَمةُ القَدِيمَةُ لِفَنِ المَوْت. مُرتَادُو حانَاتِ اليَأْس، جُثَثٌ فَخُورَة، كُلُنَا نُعَمِر أنْفُسَنا وَ نَمُوتُ فَقَط لِنُتِمَ إجرَاءاتٍ شَكْلِيَةٍ عَقِيمَة. يَبْدو أنَ حَيَاتَنا كانَتْ مُتَمسِكَةً بِنَفسِها فَقَطْ مِنْ أجْلِ تَأْجِيلِ أيِ لَحْظةٍ نَكونُ فِيهَا قَادِرينَ علَى التَخلُصِ مِنْها. 






 بُورْترِيه شَخْصِي :

 مَلْعونٌ إِلَى الأبَد ذَلِكَ النَجمُ الذِي وُلِدتُ فِي ظِلهِ، لَوْ أنَ لاَ سَماءَ تَأْوِيه، مَتْروكًا لِيُسحَقَ بِالفَضاءِ كَغُبارٍ بِدُونِ شَرفْ ! آخِدًا مَعَهُ تِلْكَ اللَحْظَة الغَادِرَة التِي ألْقَت بِي بيْنَ الكَائِنَات لِتُشطَبَ مِنْ قَوائِمِ الزَمنِ -إلَى الأَبَد !. رَغبَاتِي لمْ تَعُد تَجدُ لَهَا مكانًا فِي هذَا الخَلِيطِ الآسَنِ مِنَ الحيَاةِ وَ المَوْت وَ الذِي تَتعَفَنُ فِيهِ الأبَدِيَّةُ بِشَكلٍ يَوْميّ. بِسُأمِي مِنَ المُستقْبَل، فَإنَّنِي قَدْ عَبَرتُ أيامَهُ كُلهَا، وَ علَى الرُغْمِ مِنْ ذَلِكَ، يُعَذبُنِي ظَمَأٌ مَحْمومٌ إلَى مَجهُول لاَ أعْرِفُ مَا هُوَ. كَمَثَلِ حَكِيمٍ مَسْعورٍ، بَعِيدٍ وَ غَائِبٍ عَنِ العَالَم وَ حَانِقٍ عَليْهِ فِي الوَقتِ نَفْسِه، أُبْطِلُ أوْهامِي فَقَطْ لِتَسْتعِرَ أقْوَى مِنَ السَابِق. فِي كَوْنٍ لَا يُمكِنُ التَنَبُؤ بِه - وَ مَعَ ذَلِكَ لاَ يَنْفكُ كُلُ مَا فِيهِ يُكرِرُ نَفْسَهُ- كيْفَ بِوِسْعِنَا أنْ لاَ نَكُونَ سَاخِطِينَ ؟ إلَى مَتَى عَلَيَ أنْ أسْتَمِرَ فِي القَولِ لِنَفْسِي : ”أمْقتُ هَذِهِ الحَياةَ التِي أعْشَقُهَا“ ؟ سُخْفُ هَذَيانَاتِنا يَجْعلُ مِنَا جَمِيعًا آلهَةً مُكَرسَةً لِمَأسَاةِ هَزْليَّة رَدِيئَة. لِمَاذَا نَتَمرَدُ علَى الطَرِيقَةِ التِي يُدَبَرُ بِهَا الكوْنُ فِي حِين أنَ الفَوْضَى لاَ يُمكِنُ إلاَّ أنْ تَكُونَ نِظامًا لِلْإضْطِرابَات ؟ مَصِيرُنَا هُوَ أنْ نَتَعفنَ مَعَ القَاراتِ وَ النُجُوم، لَكِنَّنَا نَسْتمِرُ فِي جَرِ أنْفُسِنا كَعَجائِزَ مَرِيضَة وَصلَت إلَى تَقاعُدِهَا، وَ حتَى نِهايَّةِ الدَهرِ، سَيَظلُ الفُضولُ لِمَعرِفَةِ الخَاتِمَة المُتَوقَعَة ، هوسًا بِالرُعْب وَ العَبَث.






من: Précis de décomposition

 ترجمة Shiva Okleh

تدقيق لغوي وتشكيل : Mohammed Daamach

السبت، 10 مايو 2014

مختصر التحلل -9- إميل سيوران


مختصر التحلل -9-







إميل سيوران



ذُبُولْ

رُكودُ الأعْضَاءِ هَذَا، ذَلِكَ الإنْشِدَاهُ وَ الجُمودُ اليَقِظُ لِلْمَلَكاتِ العَقلِيّة، تِلْكَ الإبْتِسَامَةُ المُتَحجِرَة ؛- ألاَ تُذَكِرُكَ هَذِهِ الحَالاَتُ فِي الغَالِبِ بِضَجرِ الأَديرَة، بِالقُلوبِ التِي هَجَرهَا الإلَه، بِبَلاَدةِ وَ ُسُخْفِ رُهبَانٍ يَشْمَئِزُونَ مِنْ أنْفُسِهِم أثنَاءَ الوجَد المُنْتشِي لِلْإسْتِمنَاء ؟ حَسَناً، أنْتَ مُجَردُ راهبٍ، وَ لَكِنْ مِنْ دُونِ فَرَضِيّاتٍ إِلَهَيّة، وَ مِنْ دُونِ كِبْرِيَاءِ الرَذِيلَة المُنْعزِلَة . َالدُنْيَا وَ الجَنَّة لَيْسَتَا سِوَى جُدْرَانِ خَلايَاك، وَ فَقَطْ فِي هَوَاءٍ لاَ يُعَكِرُهُ التَنَفُس يُمْكِنُكَ أنْ لا تَكُونَ بِحَاجَةٍ للِصَلاَةِ المُتَضَرِعَة. حِينَ تَجِدُ أنَهُ مَحْكُومٌ عَلَيْكَ بِمُعَايَشَةِ السَاعَاتِ الخَاوِيَّة لِلأبَدِيَّة ُ، المُحِيطُ المُرتَعِشُ لِلرَغبَاتِ المُتَعَفِنَة، وَ التِي هِيَ مَنْبَعُ كُلِ المَسَاعِي إلَى الخَلاَص ؛ تَنْطَلِق ْبِنَفْسِكَ مُهْتَاجًا إلَى قِيَامَةٍ بِلاَ عَظَمَةٍ وَ أبْوَاق، بَيْنَمَا أَفْكَارُكَ (مِنْ بَابِ الحِفَاظِ عَلَى الأبهَة)، لَم تَكُنْ تَتَصورُ سِوَى مَوْكِباً مَلَكِياً مِنَ الآمَالِ غيْرِ الوَاقِعِيّة. ِبرَكَةِ المُعَانَاة، تَمَكَنَتِ الأرْوَاحُ ذَاتَ مَرَةٍ منَ التَحْلِيقِ إلَى عُلَيَائِهَا، وَ لَكِنَكَ الآنَ تَتَجنَبُهَا، تَسْقُطُ مُجَدداً فِي العَالمِ كَالمُلقَى فِي ديرٍ دَاعِر، تَتَرَنَحُ عبْرَ الطُرقَات مُتَأمِلاً أنْ تَنْسَى ْالكَائِنَاتْ، وَ هَلاكِكَ الأَكِيد.



تَأوِيلُ الفَشَل يُولَدُ كُلٌّ مِنَا بحِصَةٍ مِنَ النَقَاء، لَكِنْ مِنَ المُقَدرِ لَهَا أنْ تَفْسُدَ بِالإِتِجَارِ مَعَ الجِنْسِ البَشَرِي، بِتِلْكَ الخَطِيئَة بِحَقْ العُزْلَة. كُلُ وَاحدٍ مِنَا سَيفْعَلُ أيَ شَيْءٍ لَئَلَا يَظَلَ مُلاَزِمًا لِنَفْسِه. النَكْبَةُ الحَقِيقيَةُ لِجنْسِنَا تَكْمنُ فِي الإِنْقِيادِ لإِغْوَاءِ السُقُوط. عَاجِزُونَ عَنْ إِبْقَاءِ أيْدِينَا نَظِيفَة وَ قُلوبِنَا نَقِيَة؛ نُلَوِثُ أنْفُسنَا بِالإحْتِكَاكِ بعرَقٍٍ أجْنَبِي، تَوَاقُونَ لِلتَمَرُغِ فِي القَذَارَة، مُتَحمِسُونَ لِلْوَبَاءِ - لِلإِرْتِمَاءِ فِي وَحْلٍ جَمَاعِي. وَ حِينَ نَحْلُمُ بِبِحَارٍ تَحَولَتْ إِلَى مِيَاهَ مُقَدَسَة؛ نَكُونُ قَدْ تَأَخََرْنَا كَثِيراً وَ فَاتََنَا أنْ نَغْتمِرَ فِيهَا، وَ تَحُولُ حَالَةُ الفَسَادِ المُتَقَدِمَة التِي وَصَلْنَا إِلَيْهَا بَيْننَا وَ بَيْنَ الغَرَقِ فِيهَا ؛ لَقَدْ غَزَا العَالَمُ عُزْلَتنَا، و آثَارُ الآخَرِينَ عَلَيْنَا صَارَتْ غَيْرَ قَابِلَة لِلْمَحْوِ. فِي سِلْسِلَةِ المَخْلُوقَاتِ، وَحْدَهُ الإِنْسَانُ يُثِيرُ اشْمِئزَازًا مُتَوَاصِلاً. النُفورُ الذِي يُثِيرُهُ الحيَوَانُ عَابِر، إنَهُ لاَ يَنضجُ أفْكَارًا، بَيْنَمَا يُلَوِثُ جِنْسُنَا أفْكارَنَا، يَنْقلُ إلَيْنَا مِكَانِيزْمَ الإنْفِصَالْ عَنِ الطَبِيعَة سَعيًا وَرَاءَ تَأكِيدِ ذَوَاتِنَا فِي المُجتَمَعِ كَذَوَاتَ مُسْتَقِلَة وَ مُتَمرِدَة. عِنْدَ نِهَايَةِ أيِ مُحَادَثةٍ، فَإِنَ مِقدَارَ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الكَذِبِ المُنَمَقْ وَ الزَرْكَشَة وَحْدَهُ كَافٍ لإِظْهَارِ مُسْتَوَى حَضَارَةٍ مَا، لِمَاذَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ أنْ نَنْدَمَ علَى نَقَاوَةِ الصَحْرَاء، وَ أنْ نَحْسِدَ النَبَاتاتِ أوْ المُنَاجَاةِ الدَائِمَة فِي عَالَمِ الحَيَوانْ ؟

إذَا كُنَا معَ كُلِ كَلِمةٍ نُحرِزُ نَصرًا علَى العَدَم ؛ فَلِأنَ لاَ وَسِيلَةَ أخْرَى لِنَتحمَلَ هَيْمنَتهُ. إنَنَا نَموتُ بمِقدَارٍ يَتنَاسَبُ مَعَ مِقدَارِ الكَلِماتِ التِي نَقذِفُهَا حَولنَا.. الذِينَ يَتكلَمُون ليْسَت لدَيهِم أيَةُ أسْرَار، وَ كُلنَا نَتَكلمْ. إنَنَا نَخُونُ ذَوَاتنَا، نُعَرِي قُلوبَنَا، جَلاَدُو اللاَمُعَبرِ عنْه، كلُ وَاحدٍ مِنَا يَكدَحُ فِي تَدْميرِ أيَةِ أسْرَار، بَادِئينَ بِأسْرَارِنا الخَاصَة. وَ إذَا كُنَا نَلْتقِي بِالآخَرِين ؛ فَلِكيْ نَنحَطَ بِأنفُسِنَا سَوِيَةً فِي سِبَاقٍ علَى الخَوَاء، سَواءٌ فِي تَبادُلِ الأفكَارِ، الدَسَائِس، أوِ الإعْتِرافَات. لَقدْ اسْتَحثَ الفُضولُ ليْسَ سُقوطَنَا الأوَلَ فَحسْب بَلْ سُقوطَنَا فِي كُلِ يَومٍ مِنْ أيَامِ حَياتِنَا التِي لاَ تُحْصَى. ليْستِ الحيَاةُ سِوَى الإسْتِعجَالُ لِلسُقوط، لِهَتكِ عُذرِيَّة الرُوح فِي دَعَارةِ الحِوَار، تَنَكرٌ سِرْمدِيٌ وَ يَوْمِيٌ لِلْجنَّة. علَى الإنْسَانِ أنْ لاَ يَستَمِعَ إلاَ لِنَفسِهِ مُصْغِيًا لِلنَشْوَى اللاَمُتنَاهِيّة لِلْكلِمَةِ التِي لاَ تُشَارَك، أنْ يَبْتدِعَ كَلِماتٍ لِصَمتِهِ الدَاخِليْ، أنْ لاَ يَسْتَجيبَ إلاَ لِأصْواتِ نَدمِهِ وَ حَسَراتِهِ. لَكِنهُ ثَرْثارُ الكَون، إنَهُ حتَى يَتكلَمُ بٱسْمِ الآخَرِين، عَاشِقٌ مُولَهٌ بصِيغَةِ الجَمْع. كُلُ منْ يَتَكلَمُ بٱسْمِ الآخَرِين هُوَ دَائِمًا دَجَال. السِيَاسِيُون، المُصلِحُون، وَ كلُ منْ يَسْتنِدُ علَى ذَرِيعَةِ الجَمَاعَة هُوَ مُحْتال. وَحْدهُ الفَنانُ كِذْبتُهُ ليْسَت كَامِلَة، إنَهُ يَفْترِي علَى نَفْسِهِ فَقَطْ. خَارِجَ الإسْتِسلاَم لِللاَمُشتَرَكِ الدَاخِلِيّ، لِأَحضَانِ التَوقُفِ المُؤَقتِ لِقَلقِنَا وَ مَخاوِفِنَا البَكْمَاء وَ المَترُوكَةِ بِلاَ عزَاء ؛ فَالحيَاةُ ليْسَت سِوَى مُشَاجرَةٍ علَى حَدُودِ أرْضٍ غيْرِ مُرَسَمَة، وَ ليْسَ الكوْنُ سِوَى هَنْدَسَةٍ مُصَابةٍ بالصَرْع..

صِيغَةُ الجَمْعِ المُسْتتِرَةِ خَلْفَ "المُفْرَد"، وَ الصِيغَةُ المُعْترفُ بِهَا لِلجمْعِ بـِـ"نَحْنُ" تُوَفِرُ مَلْجَأً مُرِيحًا لِلوُجودِ الزَائِف. وَحْدهُ الشَاعِرُ يَتَحمَلُ مَسْؤُولِيَةَ الــ "أنَا"، وَحْدهُ منْ يَتكَلَمُ بِٱسْمِهِ، وَحدَهُ المُخَوَلُ بذَلِكَ. يَغْدُو الشِعْرُ لَقِيطًا حِينَ يُصبِحُ أدَاةَ لِلنُبوءَة أوِ المَذْهَب. شِيمَةُ السَخاءِ وَالجُودِ علَى أيِ شَيْءٍ لدَى شِيلِي -1- تَشوُهِ مُعْظمِ أعمَالِهِ، أمَا شِكْسبِير، رُبمَا بِضَربَةِ حَظٍ ؛ فَإنَّهُ لمْ يَعْرِفِ التَكْرِيسَ وَ لمْ يَخْدُم شيْئًا علَى الإِطْلاَق. يَتَجلَى اِنْتِصارُ التَنْمِيقِ وَ الرَداءَةِ علَى الأصَالَة فِي النَشاطِ الفَلْسفِي- ذَلِكَ الإعْجَابُ وَ الإعْتِدادُ العَجِيبُ بالمُفْرَد -، وَ فِي النَشَاطِ النُبُوئِيّ (سَواءٌ أكَانَ دِينِيًا، أخْلاَقيًا، أوْ سِيَاسِيًا) - ذَلِكَ التَألِيهُ لِلــ"نَحْنُ"-. تَعْرِيفْ المُصْطلَحَاتِ هُوَ كِذبَةُ عَقْلٍ نَظَرِيّ، الوَصَفَاتُ المُلهَمَة هِيَ كِذْبةُ عَقْلٍ جِهَادِيّ ؛ التَعْرِيفُ هُوَ دَائِمًا حَجَرُ الأسَاسِ لِلمَعْبَد، الوَصفَاتُ لاَبُدَ أنْ تُؤَدِي إلَى حُشُودٍ عَسْكرِيّة مِنَ المُؤمِنِينَ بِهَا. هكَذَا تُؤَسَسُ جَمِيعُ التَعَالِيم. كيْفَ نَفْشلُ إذَنْ فِي الإِلتِجَاءِ إلَى الشِعْر ؟ إنَهُ كَمَا الحَيَاة، لَديْهِ العُذْرُ فِي أنْ لاَ يُبَرهِنَ علَى شَيْء.


(1) - المقصود هو الشاعر الإنجليزي بيرسي بيش شيلي






من :
Précis de décomposition



ترجمة Shiva Okleh

تدقيق لغوي وتشكيل : Mohammed Daamach










الجمعة، 18 أبريل 2014

مختصر التحلل -6- إميل سيوران






مختصر التحلل -6




إميل سيوران








اِسْتِقالَة


فِي غُرفَةِ ٱنْتِظارِ العِيادَة، كَانتِ ٱمرَأةٌ عَجُوز تُحَدثنِي عنْ أمرَاضِها . . . فِي تَعَابيرِ عيْنَيهَا بدَا كلُ مَا يَتَقاتَلُ علَيْهِ البَشَر، وَ كلُ مَا فِي التَارِيخِ مِنْ أعَاصِيرَ مُجَردَ تَفاهَاتٍ، أمرَاضُها وَحْدهَا كَانَت تَقِفُ بشُمُوخِ الإنْتصَارِ فَوقَ الزَمَانِ وَ المَكَان. " لاَ أسْتَطِيعُ أنْ آكُل، لاَ أسْتَطِيعُ أنْ أنَام، أنَا خَائِفَة، لاَ بُدَ أنَ هُناكَ دَمل مُتَقيحْ هُنَا "، وَ بَدَأت تُداعِبُ فَكَهَا بٱهتِمَامٍ بَالِغ كأنَ مَصِيرَ العَالمِ مُتَوقِفٌ علَيْهِ. لِلْوَهلَةِ الأولَى تَرَكنِي ذَلِكَ الإهْتِمامُ المُفرِطُ بالنَفْسِ لِعَجُوزٍ شَمْطاءَ بَالِيّة مُمَزقاً بيْنَ الجَزعِ وَ الإشْمِئزَاز؛ ثُمَ غَادَرتُ العِيَادَةَ قبْلَ أنْ يَحِينَ دَورِي عَاقِداً العَزْمَ علَى إزَاحَةِ جَمِيعِ المُنَغصاتِ وَ الإنْزِعاجَاتِ مِنْ دَاخِلِي إلَى الأبَد . . .

تِسْعٌ وَ خَمْسُونَ ثَانِيّةً مِن كُلِ دَقِيقَة، ظَلَلتُ مُنْهمِكاً فِي التَفْكيرِ أثْنَاءَ تَجْوالِي فِي الشَوَارِع، مُسْتغرِقاً فِي المُعَاناةِ أوْ فِي- فِكرَةِ المُعَاناة. آهٍ لَوْ كنْتُ حجَراً، القَلْبُ ! : مَنْشَأُ كُلِّ عَذَاب . . . إنَّنِي أصْبُو إلَى الشَيْء، إلَى بَرَكةِ المَادَة وَ الرُكُودِ وَ الظُلْمَة. طَنِينُ البَعوضَةِ يُمَثِلُ بالنِسْبَةِ لِي إعلاَنَ كَارِثَة. أنْ تُغَادِرَ ذَاتَكَ ؛ تِلْكَ خَطِيئَة، الرِيَاح : إخْتِلالُ الهَوَاء !، المُوسِيقَى : جنُونُ الصَمْت ! بٱسْتِسلاَمِهِ لِقِوَى الطَبِيعَة ؛ فَإِنَ هذَا العَالَم قَدْ خانَ العَدَمْ . . . أنَا أسْتَقيلُ مِنَ الحرَكَة وَ مِنْ أحْلاَمِي. أيُهَا الغِيَاب ! سَتَكونُ مَجْدِيَ الأوْحَد . . . إلاَّ فَلْتزَع "الرَغْبة" إلَى الأَبَد مِنَ القَامُوس، وَ مِنَ الرُوحْ !. أنَا أنْسَحِبُ مِنَ المَهازِل المُدَوِخَة لِلغَدِ. وَ إِذَا كنْتُ مَا أزَالُ قَابضًا علَى بَعْضِ الآمَال، فَإنَّنِي إلَى الأبَد أضَعتُ القُدرَةَ علَى أنْ آمَل.





جرَائِمُ الشَجاعَةِ وَ الخَوفْ

أنْ تَكُونَ خائِفاً يعْنِي أنْ تُفكِرَ فِيْ نَفسِكَ بٱسْتِمرَار، أنْ لاَ تَكُونَ قَادِراً علَى رُؤيَةِ أوْ حتَى تَصوُرِ أيِ مَسارٍ أوْ وَاقعيَّةٍ لِلأَحْداثِ خَارِجَ ذَاتِك. ٱسْتِشعارُكَ بالسُوء، تَحسُساتُكَ بقُدومِه، تَفْترِضُ عَالماً خَالِياً مِنَ الأَخطَارِ المُحَايدَة. الإنسَانُ المَذعُور هُوَ ضحيَّةُ ذَاتِيّةٍ مُفْرِطَة - يَعتقِدُ أنَهُ هدَفٌ لِعدَائِيّةِ الأَحدَاث أكثَرَ بكَثِيرٍ مِنْ سَائِرِ أبنَاءِ جنْسِه. إنَهُ يَلْتقِي معَ الإنسَانِ الشُجَاع فِي هذَا الضَلالْ، وَ الذِي مِنْ النَاحيَّةِ المُعاكِسَة يَرَى الحَصانَةَ فِي كُلِ مَكَان. كِلاهُمَا قَدْ بَلَغَ مَرْحلَةً قُصوَى مِنَ الوَعيِ المُفْتتَنِ بالذَات : بالنِسبَةِ لِلأوَلِ فَإِنَ كُلَ شيْءٍ يتَآمرُ علَيْهِ، وَ بالنِسبَةِ لِلثَانِي فَكلُ شيْءٍ مُلائِمٌ وَ حَسنْ. ( الإنسَانُ الشُجَاع مُجَردُ مُتَبجِحْ يُعَانِقُ الخطَر، شخْصٌ يَهْربُ إلَى الخطَر ). يَضَعُ الأوَلُ نَفْسهُ فِي مَرْكزِ الكوْنِ علَى نَحوٍ هدَام بيْنَما يَضعُهَا الآخَرُ يَضعُهَا علَى نَحوٍ فَعَال، لَكِنَ وَهْمهَا وَاحِد، تَلْتقِي مَعرِفَتُهمَا عِنْدَ نُقطَةِ الإنْحرَافِ نَفْسِها ( الخطَر هُوَ الوَاقِعُ الوَحِيد). يَخافُهُ الأوَل، الثَانِي يَسْعَى وَرَاءهُ، ليْسَ بوِسْعهِمَا أنْ يُلاحِظَا الإزْدِراءَ اللاَمُبَالِي لِلأشْيَاء، كِلاهُمَا يُحِيلانِ كُلَ شيْءٍ إلَى ذَواتِهِمْ، كِلاهُمَا ضَحِيّةُ إثَارَةٍ مُفْرِطَة ( وَ كُلُ الشُرُورِ فِي هذَا العالَم منْبعُهَا الإثَارةُ الزَائِدَة، الخَيَالاتُ النَشِطَة لِكُلٍ مِنَ الشَجاعَةِ وَ الجُبْن ). وَ هَكذَا فَإِنَ هَاذيْنِ العَامِلانِ المُتَنافِرَان وَ المُتَماثِلاَن هُمَا وُكلاَءُ كُلِ مَشاكِلنَا، مُعَرقِلاً سيْرَ الزمَن، إنَهُمَا يُضفِيَانِ شيْئاً مِنَ الأهَمِيَّةِ علَى أتفَهِ الأحْدَاث، وَ يُسْقِطانِ نَوايَاهُمَا المَحمُومَة علَى كَونٍ - وَ الذِي هُوَ مِنْ دُونِ أنْ يَهجُرَ بلاَدتَهُ المُقَزِزَة - مُخْزٍ وَ لاَ يُطَاق. الشَجاعَةُ وَ الخَوْف إسْمَانِ مُخْتلِفَانِ لِمَرضٍ وَاحِد، وَ الذِي يَظهَرُ عِندَ إعطَاءِ الحيَاةِ أهَمِيّةً بَالِغَة وَ أخذِهَا بجدِيَّة. . .إنَّهُ الإفْتِقارُ لِلْمرَارَةِ اللاَمُبالِيَّة، مَا يُحَوِلُ الرِجَالَ إلَى وُحوشٍ مُتَعصِبَة، أمْكَرُ وَ أفْظَعُ الجَرائِم مُرتَكبُوهَا هُم دَوْماً أولَئِكَ الذِينَ يَأخُذونَ الحيَاةَ بجِدِيَّة. وَحْدَهُ المُولَعُ بالفُنُونْ لاَ يَسْتهوِيهِ مَذَاقُ الدِمَاء، وَحْدَهُ ليْسَ وَغْداً.



من: Précis de décomposition



ترجمةShiva Okleh

تدقيق لغوي وتشكيل : Mohammed Daamach